الرئيسية / الرئيسية / المستشرقون وآيات الجهاد
images

المستشرقون وآيات الجهاد

المقدمة:

ان تسامُحْ الإسلام معروف وقديم وقد عُرف الاسلام بانه دين الرحمة والرأفة ولا يوجد دين أرأف من دين الإسلام. ولكن الجهاد في الإسلام ضرورة ملحة، فسواء كان الجهاد دفاعياً أم غير دفاعي، فإنه شرع للدفاع عن النفس والعقيدة، لذلك أحب المسلمون هذا الجهاد، ولم يتقاعس إلا أولئك المنافقون الذين لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم.[1]لكن المستشرقين دأبوا على تشويه هذه الصورة وحاولوا تصوير الاسلام بانه دين القتل والخشونة من خلال استنادهم الى الايات التي تحث المسلمين على الجهاد وترغبهم في الشهادة .ونحن في هذه المقالة نريد ان نناقش فرية المستشرقين هذه ونردها بالعقل والقران الكريم .

ما هو الاستشراق وعلى من تطلق كلمة المستشرقين ؟

لقد تعددت التعريفات حول معنى الاستشراق والمستشرقين في هذه التعاريف وجميعها تمحورت حول الشخص الغربي ولكن الأصح أن لا نحدد المنطقة في هذا المجال بل ان التعريف الادق الاستشراق: هو الدراسات الأكاديمية التي يقوم بها غير المسلمين -سواء من الشرق أو من الغرب – للإسلام (عقيدة وشريعة ولغة وحضارة ) . و إن كل غير مسلم يكتب عن الإسلام فهو مستشرق سواء كان غربي أو شرقي، وبهذا التعريف يكون أشمل وأوسع .

ولقد مر الفكر الإستشراقي في علاقته بالإسلام والمسلمين بمرحلتين ( مرحلة عقائدية ومرحلة سياسية)؛ اما العقائدية فقد بدأت هذه المرحلة مع بداية الإستشراق وإلى عصر الاستعمار المسلح، وكان الفكر فيها موجهاً أولاً إلى الأوربيين. ولم يكن المسلمون في هذه المرحلة -كما يقول الدكتور (الدسوقي) – لم يكن لهم دراية كاملة بالفكر الإستشراقي على نحو يؤثر في أفكارهم وآرائهم.واما المرحلة الثانية وهي ( المرحلة السياسية) فقد وجدت مع وجود الغزو الأوربي للعالم الإسلامي مصطحباً معه الفكر الإستشراقي، ولم يعد هذا الفكر مقتصراً على الأوروبيين وإنما إلى المسلمين، واهتم بعرض الأفكار اهتماماً كبيراً. ومن خلالها راوغ الإستشراق لكي يجد له مكاناً وقبولاً بين المسلمين، فتراجع عن أسلوب الهجوم، واستعمل أسلوباً أشد مكراً وأكثر دهاء وهو محاولة الدخول في الموضوعات من باب التقدير والمدح حتى يخدع القارئ ويكسب ثقته ثم لا يتلبث بعد ذلك أن يثير الشبهات خفية متتالية في إطار هذا التقدير العام الكاذب. ومن خلا لها دأب الفكر الإستشراقي على تصوير الإسلام وتقديمه للناس في صورة منفردة تثير الضيق به والتوجس منه والرغبة في الهيمنة عليه خوفاً من ازدياد انتشار هذا الدين بين الأوربيين، ثم تنفير المسلمين منه بعد ذلك ومن ثم طعنوا في القرآن الكريم والدين القويم بكل ما أوتوا من قوة.

إنهم يقولون: انتشر الإسلام بالسيف وانتشرت المسيحية بكسب القلوب، بالمحبة، الإسلام قد قام بحد السيف، وان المسلمين استلوا سيوفهم لإرغام الناس على عقيدة الإسلام.

أشار البعض منهم إلى الآيات التي تنص على قتال المشركين كما في سورة التوبة: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[2] ﴿وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[3]، والتي يسمونها آية السيف ويزعمون أنها نسخت الكثير من آيات العفو والمسالمة والصلح وحسن معاملة الآخرين وضمان حرية الدين والإعراض عن المشركين والجاهلين.[4]

جاء في الموسوعة البريطانية: إن أسلوب الآيات التي نزلت في المدينة يشبه أسلوبها في مكة، قبيل الهجرة، وهي تركز على تكوين مجتمع إسلامي حديث يحرض فيه المؤمنين على القتال، ويلوم فيه المتقاعسين. وفي هذه الفترة نظمت العلاقة بين المؤمنين وبين الرسول في طريقة التحدث له، كما نزلت شرائع تنظم الميراث والزواج،وسائرطقوس للصوم والحج.[5]

وأما المستشرق الانجليزي أندرسون Anderson فيرى: إن الجهاد لا يتفق مع الأوضاع الدولية الحديثة لارتباط المسلمين بالمنظمات العالمية والمعاهدات الدولية، ولأن الجهاد هو الوسيلة لحمل الناس على الإسلام، وأوضاع الحرية، ورقي العقول، لا تقبل فكرة تفرض بالقوة.[6]

ملخص هذه الفرية هو تصوير الإسلام بأنه يقوم على القهر والغلبة، فهو يعمل على فرض نفسه على الناس بالقوة. وكذلك يقوم على حرمان الناس من حرية الرأي والعقيدة.وإن الإسلام سلك في سبيل نشر دعوته طريق الحرب.وان الحرب أصل الصلة بين الإسلام وشعوب الأرض، والسلم لا يكون إلا موقوتاً لضرورة مؤقتة.كما ويرمون الاسلام بعدم الالتزام بالعهود والمواثيق.

ونحن نريد أن نجيب ونرد على من يدعي بأنّ الإسلام هو دين السيف والخشونة بأدلة منها:

1- عن طريق العقل: ذلك ان للإنسان عزة وكرامة عظيمة، ويجب على كل دين ومذهب وحكومة الدفاع بكل قدرة عن حرية وكرامة البشرية وأيضاً على كل إنسان ذو شخصية وغيرة أن يدافع عن حقه وكرامته وحريته. ومن رضي للذل والظلم والإعتداء فعليه ذنب لا يُغفر. وترك الدفاع عن النفس ذلٌ وعارٌ.

2- عن طريق القرآن:

القرآن الكريم لن يقبل أي خشونة و يرسم لنا صورة سلمية من دين الإسلام الحنيف بل ينهى عن القتال في الأوقات الذي لا يحتاج المسلمون إلى القتال ﴿وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[7].﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾[8].

والذين يدعون بان آيات القتال نسخت آيات العفو والمسالمة نقول لهم:

ان الصواب أنها لم تنسخ شيئاً لأن كلام الآيتين مخصص عن مشركي الجاهلية في جزيرة العرب دون غيرهم كما هو واضح من سياق السورة، ناهيك أن مبدأ النسخ غير مقطوع به وأقرب إلى البطلان وأما حديث ابن عمر أن النبي قال: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله” فالمقصود بالناس سكان جزيرة العرب دون غيرهم، كما في قوله تعالى ﴿وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ﴾[9] وقصد بهم أهالي جزيرة العرب، وقوله تعالى ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾[10]، وقصد بهم المكلفين من المؤمنين، ان من مقاصد سورة التوبة 1- 28 إيضاح أن تكون جزيرة العرب خالصة للإسلام والمسلمين، فمن لم يرغب من المشركين قبول الإسلام له أن يغادرها، وقد أوضح الحديث الشريف ذلك بقوله: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)، وفي لفظ: (لا يُترك بجزيرة العرب دينان) أخرجه أحمد في مسنده، ومالك في الموطأ، لأن الجزيرة مهد الإسلام ومصدر قوته، فيخشى من إحياء عبادات المشركين والكفار فيها، ومن انتشار معابدهم وطقوسهم وتركهم إذا هم أقاموا فيها، ولذلك حددت آيات التوبة (1- 28) سياسة الإسلام تجاه مشركي شبه جزيرة العرب فقط وليس خارجها، في حين أن الآيات ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ * وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[11] حددت سياسة الإسلام تجاه أهل الكتاب في البلاد المفتوحة.

والآيات عديدة في ضمان حرية العقيدة، والنهي عن العدوان، وترجيح الصلح على القتال كما في الآيات ﴿وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[12] والآية ﴿إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً﴾[13] و ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[14] و﴿لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[15] والآيات أيضاً كثيرة جداً في ان الإسلام مبني على الدلائل والحجج والفكر والعقل والنهي عن التقليد، مما طبقه المسلمون عملياً بعد الفتح.

نهى القطراني – العراق

[1] قضايا قرأنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس.

[2] سورة التوبة: 5.

[3] سورة التوبة: 36.

[4] المسيحية والإسلام والإستشراق، محمد فاروق الزين، ص 35.

[5] قضايا قرأنية في الموسوعة البريطانية، نقد مطاعن، ورد شبهات، الأستاذ د. فضل حسن عباس.

[6] نفس السابق.

[7] سورة البقرة: 190.

[8] سورة الأنفال: 61.

[9] سورة التوبة: 3.

[10] سورة آل عمران: 97.

[11] سورة التوبة: 29 – 30.

[12] سورة البقرة: 190 – 193.

[13] سورة النساء: 90.

[14] سورة الأنفال: 61.

[15] سورة الممتحنة: 8 – 9.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *