الرئيسية / الرئيسية / الارتباط العاطفيّ بالمعصومين”ع”
300px-حرم_امام_رضا

الارتباط العاطفيّ بالمعصومين”ع”

(الحلقة الثانية)

 آثار الارتباط العاطفيّ ونتائجه

إنّ للارتباط العاطفيّ بآل النبيّ الأكرم’ آثاراً إيجابيّةً مختلفةً، وإنّ محبّيهم يستمدّون منهم مختلف الاستمدادات؛ ولذلك أمر الله تعالى نبيّه’ في القرآن أن يخبر الناس أنّ أجره على الرسالة هو حبّ آل بيته، فأمرهم بحبّهم[1].

وهذا توضيح لبعض آثار ونتائج الارتباط بالمعصومين “ع”:

أ. إنّ الارتباط بهم عاملٌ للرشد والهداية والإصلاح والتربية

إنّ إحدى فوائد محبّة أهل البيت “ع” الوصول إلى الرشد والهداية، وأن يخطو الإنسان خطواتهم؛ لأنّهم “ع” – في أقوالهم وأفعالهم- المرآة الكاملة والصافية للحقّ.

يقول الأستاذ المطهّري في هذا الصدد: “المحبّة تعطي للمحبّ المشابهة والمشاكلة، وتكون سببًا لصيرورة المحبّ على مثال المحبوب، وهي مثل السلك الكهربائيّ الّذي يربط وجود المحبوب بالمحبّ وينقل له صفاته”[2].

وقال أيضاً: “لهذا فإنّ محبّة النبيّ ’ ومحبّة أمير المؤمنين “ع” ومحبّة كلّ كاملٍ هي أعظم عاملٍ لإصلاح وتربية الإنسان، وهذه هي فلسفة محبّة الأولياء”[3].

ب. إنّ الارتباط بهم   “ع” عاملٌ للثورة والتحوّلات الاجتماعيّة

إنّ العلاقة العاطفيّة بأهل البيت “ع” والارتباط بحركتهم الاجتماعيّة والسياسيّة -وخصوصاً نهضة الإمام الحسين “ع” ضدّ ظلم يزيد وجوره، وواقعة كربلاء الفجيعة-  كانت دائماً وعلى طول التاريخ عاملاً لاستنهاض التابعين لهم”ع” ضدّ الطاغوت، ويمكن اعتبار نهضة التوّابين، والمختار، وزيدٍ الشهيد، والثورة الإسلاميّة في إيران، ومقاومة المظلومين في جنوب لبنان بقيادة حزب الله والّذين وقفوا ضدّ ظلم الصهاينة، والمجاهدون في العراق الجريح؛ نموذجاً ومثالاً على هذا النوع من التأثير، وفي هذا الخصوص يقول الإمام الخمينيّ (رضوان الله عليه): “إنّ وحدة الكلمة -الّتي كانت وراء انتصارنا- هي وليدة مجالس العزاء والمآتم، ومجالس تبليغ الإسلام ونشره”‏[4].

ج. عامل خلود المذهب

النتيجة الأخرى للارتباط العاطفيّ هي إحياء المذهب واستمراره؛ لأنّ الارتباط بالأئمّة -الّذين ضحّوا بكلّ وجودهم في سبيل إعلاء كلمة الله-  وحبّهم يحيي روحيّة الفداء والإيثار في شيعتهم لمواصلة الطريق في نفس الاتّجاه، وفي ذلك يقول الإمام الخمينيّ (رضوان الله تعالى عليه): “شهرا محرّمٍ وصفرٍ… شهران أحييا الإسلام، يجب علينا أن نحيي هذين الشهرين بذكر مصائب أهل البيت “ع”“[5].

د. عاملٌ للطاعة والمتابعة

إنما يكون ادّعاء الشخص صادقاً إذا طابق عمله قوله، وإلّا فإنّ ادّعاءه فقط لا يوصله إلى نتيجةٍ.

يقول الإمام الباقر “ع” لجابرٍ: “يا جابر.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فو الله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون -يا جابر-  إلاّ بالتواضع والتخشّع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خيرٍ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

قال جابرٌ: فقلت: يا بن رسول الله.. ما نعرف اليوم أحدًا بهذه الصفة!

فقال “ع”: يا جابر.. لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليًّا وأتولاّه، ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله ’ فرسول الله خيرٌ من عليٍّ “ع” ثمّ لا يتّبع سيرته، ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحدٍ قرابةٌ، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر.. فوالله ما يتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءةٌ من النار، ولا على الله لأحدٍ من حجّةٍ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوٌّ، ولا تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع”[6].

هـ . إنّ الارتباط بهم   “ع” عاملٌ للهدوء والاستقرار الروحيّ

كثيرون هم الّذين محوا آلام مصائبهم بتذكّرهم مصائب أهل البيت “ع”، وكثيرون هم الّذين بدّلوا آلام مصاب فقدهم أحبّاءهم وأولادهم وأعزّاءهم الّذين قد ضحّوا في طريق الحقّ بالهدوء الروحيّ الّذي لمسوه بتذكّرهم صبر الإمام الحسين “ع” والعقيلة زينب “س”  في واقعة كربلاء، وكم هم كثرٌ الّذين تحمّلوا مشاقّ سجنهم وحبسهم بسبب تذكّرهم سجن سامرّاء، والإمام الكاظم”ع”.

 و. الارتباط بهم  “ع” عاملٌ للنجاة من أهوال يوم القيامة

فضلًا عن الآثار الدنيويّة فإنّ لعشق المعصومين “ع” آثاراً أخرويّةً كثيرةً، فقد بيّن الرسول الأكرم ’ آثار حبّه وحبّ أهل بيته “ع”، حيث قال: “حبّي وحبّ أهل بيتي نافعٌ في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمةٌ: عند الوفاة، والقبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط، فمن أحبّني وأحبّ أهل بيتي واستمسك بهم من بعدي فنحن شفعاؤه يوم القيامة”[7].

معرفة الآفات الّتي تؤثّر في الارتباط العاطفيّ

إنّ عشق ومحبّة المعصومين “ع” مؤثّران ومنتجان إذا كانا بعيدين عن مجموعةٍ من الآفات التي يمكن أن نشير لها إجمالاً على النحو التالي:

 أ. الغلوّ

لمّا كان الائمّة “ع” يتمتّعون بكلّ السجايا والأخلاق الطاهرة الكاملة؛ أدّى ذلك إلى أن يعتقد بعض الجاهلين أنّهم ليسوا من مقام البشر، ونسب لهم “ع” صفات الألوهيّة، والله سبحانه يقول مخاطبًا أهل الكتاب: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ…}([8]).

وكما يخبر القرآن، فإنّ اليهود غالوا في أنبيائهم حتّى اعتقدوا بأنّ عزيراً ابن الله؛ وكذا المسيحيّين كانوا يعتقدون في المسيح أنّه ابن الله.

وبين المسلمين أيضًا عدّةٌ اعتبروا بغلوّهم أنّ بعض أهل بيت النبيّ ’ إلهٌ يعبد، وقد لعن الأئمّة “ع” مثل أولئك واعتبروهم كفّاراً.

 قال الإمام عليٌّ “ع” في حقّ أولئك: “يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: محبٌّ مفرطٌ، ومبغضٌ مفرطٌ، وإنّا لنبرأ إلى الله -عزّ وجلّ-  ممّن يغلو فينا، فيرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم ‘ من النصارى”[9].

ب. الغرور

لعشق أهل البيت “ع” كثيرٌ من الآثار والفوائد، وشرط الفوز بتلك الفوائد هو الاتّباع الكامل لهم “ع”، والابتعاد عن الذنوب، وإلّا فبمجرّد أن نتصوّر بأنّنا شيعةٌ لأهل البيت “ع”، إذن فنحن من أهل النجاة؛ أمرٌ لا ينفعنا في شيءٍ.

قال محمّد بن ماردٍ: “قلت لأبي عبد الله “ع”: حديثٌ روي لنا أنّك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت؟ فقال: (قد قلت ذلك، قال: قلت وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر فقال لي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون; والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم، إنّما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنّه يقبل منك)”[10].

تبيّن هذه الرواية وبشكلٍ جيّدٍ، أنّ بعض الأفعال الّتي تصدر بحجّة الاحتفال والفرح لأهل البيت “ع” – وخصوصاً في ذكرى ولادة الإمام صاحب الزمان “عج”-  كالرقص والغناء والكلام غير المناسب لا ترضي أهل البيت “ع”، ولا يمكن أن يكون حبّ الأئمّة مجوّزًا لصدور هكذا نوعٍ من الأفعال والأقوال.

ج. الخرافة

إن هناك ممن يحاول الوصول إلى مراده وأهدافه الدنيئة من خلال استغلال حبّ الناس للأئمّة “ع”، فيقوم بنشر الخرافة في المجتمع، فتراه يدّعي مثلاً أنّ قطرةً من دم رأس الإمام الحسين “ع” سقطت في المنطقة الفلانيّة؛ ولهذا فإنّ تلك المنطقة مقدّسةٌ، وآخر يدّعي أنّه كشف عن وجود أحد أبناء الأئمّة “ع” في المنطقة الفلانيّة، وفي المحلّة الفلانيّة أحدثوا مكاناً باسم مكان قدم أبي الفضل العباس “ع” وهلّم جرًّا!

د. الحماسة غير الواعية

إنّ الغفلة عن فلسفة قيام الأئمّة “ع” وقعودهم، وعدم الالتفات إلى أهدافهم، وعدم الإدراك الصحيح لتأكيدهم على إقامة العزاء في أيّام مصائبهم والفرح من أجلهم في أيّام فرحهم، يعدّ واحداً من موانع الارتباط الرساليّ الصحيح بأهل البيت “ع”، وأسفاً تهتك الشعائر الدينيّة أحياناً ظنّاً من بعض الجهلة أنّهم يعظّمونها.

يُنقل أنه في السنين الأولى من مرجعيّة المرحوم آية الله البروجرديّ، وصل خبرٌ إلى السيّد بأنّ مراسم العزاء في قمٍّ وصلت إلى مستوى من عدم الالتزام، فدعا السيّد جميع مسئولي الهيئات والمواكب الحسينيّة إلى منزله، وبعد وصولهم سألهم السيّد البروجردي قائلاً: من تقلّدون؟ قال الجميع: نقلّدك، فقال السيّد: إذا كنتم تقلّدوني ففتواي هي أنّ جميع هذه الأفعال من التعزية والتشابيه الدمويّة حرامٌ.

فبدلاً من أن يقبل الحاضرون هذا الكلام قالوا بمنتهى الصراحة: سيّدنا.. نحن نقلّدك في كلّ السنة إلّا في هذه الأيّام الثلاثة أو الأربعة، فنحن لا نقلّدك فيها أبدًا!

إنّ ذلك يشير إلى أنّ الهدف ليس الإمام الحسين “ع”، وليس الإسلام، وإنّما الهدف أمورٌ أخرى، أقلّها اللذّة[11].

وهناك أيضاً نماذج أخرى للسلوكيات المنحرفة، وهي رائجةٌ في المجتمع، كالتطبير، ودعوة بعض المقرئين من أصحاب الأصوات الجميلة من أجل التباهي في مقابل الهيئات والمواكب الأخرى، واستخدام الآلات والموسيقى غير المشروعة من أجل جذب الشباب، أو وضع حلقةٍ في الرقبة وسحبها -كالكلاب-  من أجل التقرّب أكثر لأهل البيت “ع” كما صوّر الشيطان لهم.

وممّا لا يخفى أنّ هذا يهتك كرامة الإنسان المؤمن في قبال الآخرين، وخصوصاً في مقابل الأعداء.

ترجمة وإعداد محمد الربيعي_ العراق

 

[1].  الشورى: 23؛ سبأ: ٤٧.

[2].  عليٌّ بين قوّتيه الجاذبة والدافعة، ص ٦٦.

[3].  التعليم والتربية في الإسلام، ص ۳۹١.

[4] صحيفة النور، ج ١٧، ص 53.

[5] المصدر السابق، ج ١٥،ص 229.

[6]. بحار الأنوار، ج 67، ص 98.

[7]. منتخب الأثر، لطف الله الصافيّ، ج ١، ص ٥٤.

[8]. النساء: 1٧١.

[9]. بحار الأنوار، ج 25، ص 135.

[10]. الكافي، ج ٢، ص ٤١٤.

[11]. مجموعة آثار الشهيد مطهّري، ج ١٧، ص ۳۳٤.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …