الرئيسية / الرئيسية / منزلة العقل في الدين
عقل

منزلة العقل في الدين

فلو تتبعنا تعاليم الأديان السماوية بصورة عامة, لوجدناها تعطي الأهمية البالغة للعقل والتعقل, وذلك من خلال ما أكدته تعاليم هذه الأديان من الدعوة للتفكر, والتدبر في كل جزء من أجزاء هذا الكون, فإذا راجعنا القرآن الكريم الذي هو كتاب مصون من رب العالمين, ومصدر موثوق بالنسبة لنا نحن المسلمين, لوجدناه ينقل لنا ما كان يقوله الأنبياء(ع) لقومهم من التدقيق في خلق السماوات والأرض والتدبر في أحوالهم وأرزاقهم, وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على مكانة العقل والاستفادة منه في الأديان السماوية.

وأما ما نراه في التعاليم اليهودية والمسيحية الحالية, وما فيها من طرد العقل ودوره الفعال في عرصات الحياة, والعيش في دورة زمنية عبّروا عنها بأنفسهم فيما بعد بـ > عصر الظلام< في القرون الوسطى, فإن ذلك يعود إلى التحريف والتزييف الذي ورد لهذه الأديان السماوية وما جاءت به من شرائع, فلا إنجيلهم ما جاء به عيسى(ع)ولا توراتهم ماجاء به موسى(ع), بل هي ما خطته أنامل ذوي الأهواء من الأحبار والرهبان.

هذا بالنسبة إلى دين اليهود والمسيحية, وأما دين الإسلام الحنيف, فإننا إن نتطلّع في آياته ولو بصورة عابرة لوجدنا الأثر الوافر لمنزلة العقل فيه, فآيات التدبر والتفكر والتعقل لم تكن تخفى على أحد قد قرأ كتابنا السماوي العزيز كقوله تعالى:{ أَ فَلا تَعْقِلُون} ‏و {أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ} و {ولِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ}.

وكذا بالنسبة إلى سنّة نبينا الكريم(ص), فإنها المصدر الآخر الذي يمدّنا من فيض حديث المصطفى(ص) وأهل بيته(ع)؛ فلقد تضافرت الروايات على حجّيّة العقل ومكانته‏, فعن الإمام الصادق(ع): «حجة اللّه على العباد النبي، والحجّة في ما بين العباد وبين اللّه العقل».

وقال الإمام موسى بن جعفر× مخاطباً هشام بن الحكم: «يا هشام إنّ للّه على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة؛ فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة، وأمّا الباطنة فالعقول».

ولكن ومع الأسف الشديد, وبسبب ما جرى على الدين الإسلامي بعد وفاة رسول الله(ص), وانحراف مسير الرسالة التي جاء بها, مما أدى إلى ابتعاد المسلمين عن المنبع الملكوتي لهداية الأمة, ألا وهو القرآن ومفسريه من أوصياء المصطفى(ص), وظهور الشخصيات التي تدّعي العلم وتعرّف نفسها بأنها الحق والحقيقة لتبيين الدين { وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئا} , فظهرت على إثر ذلك تعدّد القراءات وإن {كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون‏}, وابتليت الأمة الإسلامية بظهور الخوارج أولا, ثم المعتزلة وأصحاب الحديث و…

فأما المعتزلة, فقد أخذت جانب الإفراط بالنسبة إلى نظرتها إلى دور العقل في الدين ومكانته, ومع ما قدمته من خدمات من إثبات العقائد وردّ الشبهات, إلا أنها خلّفت من ورائها ما لا يحمد عقباه, والتأريخ يشهد ما مرّت به الأمة في >عصر المحنة<.

وفئة أخرى اتخذت جانب التفريط في المسألة, ألا وهم أصحاب الحديث, والكرامية ومن لفّ لفّهم, حيث قاموا بإقصاء العقل والمنطق عن ساحة العقائد والاكتفاء بالروايات مع ما فيها من أباطيل وترّهات وضعها الأعداء، واختلقتها الأهواء؛ وما زال المسلمون في العالم يعانون كل يوم من أمثال هذه الحركات الرجعية التي تدّعي الإسلام لسانا وتبتعد عنه حقيقتا ووجدانا.

وأما الشيعة الإمامية, فإنهم أقل نسبة من باقي الفرق في الخسارة, فإن اتّباعهم لأقوال وأحاديث أئمتهم حالت دون وقوعهم في مهاوٍ قد وقع فيها الباقون؛ ولكن لا تخلو هذه الفرقة من بعض الهفوات بالنسبة إلى نظرتها للعقل و دوره, فلا يخفى على أحد ما تركته عقائد ونظرات أهل الحديث على الأمة الإسلامية بصورة عامة, حتى ولد من بين الشيعة من هم الوجه الآخر لهذه الحركة, حيث الجمود على الظواهر, وطرد العقل والمنطق من ساحات الدين الإسلامي.

وأخيرا, لا بدّ للقول بأن الدين الإلهي بصورة عامة قد أعطى للعقل الأهمية البالغة, والدور الفعال في مجالات الحياة الفردية والاجتماعية, ولكن في المسائل التشريعية السماوية, فإن العقل هنا بمنزلة الكاشف وليس المشرع.

 زهراء حسن السالم – العراق

المصادر:

  1. المذاهب الإسلامية, السبحاني.
  2. مصادر الفقه الإسلامي و منابعه, السبحاني.
  3. الملل والنحل, السبحاني.
  4. رسائل أصولية , السبحاني.
  5. الرسائل الأربع , السبحاني.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *