الرئيسية / الرئيسية / الشهيد خصائصٌ وأقسام
91722132944387157219

الشهيد خصائصٌ وأقسام

سفك دماءٍ, وهتك حرماتٍ, كيفما أدار ابن آدم الإنسان وجهه, وكأن التشريع الواضح الصريح لمحمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, لم يفقهُ أحد.. بكل بساطة تقطع أوداج الرجل, ويرمى برأسه لأهداف واهية, والغريب في الأمر أن المذبوح والذبّاح تجمعهما في تلك اللحظة الواحدة قول واحد: “الله أكبر”.

انطلاقاً من هنا كان تسلط الضوء في هذه الوريقات, على مفاهيمٍ هي مورد ابتلاءٍ في وقتنا الحاضر,الشهادة والشهيد..

من هو الشهيد؟ ما هي خصائص هذا الفرد؟ وهل ينطلق هذا العنوان المقدس, ليشمل العديد من الأقسام والمصاديق؟ هي أسئلة كثيرة تطرح في هذا المجال, لخطورة الموقف وحساسيته.. فالسير السليم على جادة الهدف السامي -أي الشهادة- لابد له من إدراك لخصائصه وأقسامه؟

-الخصائص المعتبرة في صدق عنوان الشهيد:

شرف للقلم أن يخط الشهيد، فكيف الحال إن أراد نقش خصائص أو مميزات هذا الفرد الفريد.

ـ أول ما قد يقال في خصائص الشهيد «الحياة ما بعد الموت» التي صرحت بها الآية القرآنية الشريفة حيث قالت: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[1]. والعلامة الطباطبائي وضع الحياة في معناها الصحيح, في حين قال بعض الماديين، أن المراد من الحياة:

– إما ذكرهم الطيب..

– أو حياة تخيلية أي وهم فقط, دون الحياة الخارجية..

إلى غير ذلك من التفاسير التي يردّها العلّامة، ليخلص بالقول: «وبالجملة: المراد بالحياة في الآية الحياة الحقيقة دون التقديرية»[2] فهذه الحياة التي تُمنح للشهيد دون سواه من الناس من أهم خصائصه, وواحدةٌ من الأوسمة الكثير التي ينالها.

ـ كذلك التبشير الصادر من قبل الله سبحانه بحق الشهيد ميزة أخرى يمكن الإشارة إليها، فقد يكون بعض الناس المخلصين لله بعبادتهم أحياء, ولكن لا نرى أي تبشير بحقهم سوى أن لهم جنات عدن، ولم تطلق عليهم صفة الحياة, كما الخصوصية المعطاة للشهيد، «ووجه تخصيص الشهداء بكونهم أحياء، وإن كان غيرهم من المؤمنين قد يكون أحياء في البرزخ، أنه على جهة التقديم البشارة بذكر حالهم»[3].

ـ ومن خصائصه التي يتباه بها الشهيد, أنه يلاقي ربه بدمه الذي أريق في المعركة، أي أنه لا يُغسل ولا يكفن وتبقى ملابسه عليه ويُدفن بها: «الشهيد يدفن بثيابه، وينزع عنه الخفّان.. والأصل فيه قول النبي|: «أدفنوهم بثيابهم»..»[4]

ـ وبالعودة إلى بعض التفاسير اللغوية التي خطّت حق الشهيد، فقد فسّره البعض على أن الله والملائكة يشهدون له بالجنة، فقد أورد صاحب الجواهر: «قال في القاموس: «الشهيد القتيل في سبيل الله تعالى، لأن ملائكة الرحمن تشهده، أو لأن الله تعالى وملائكته شهود له بالجنة، أو لأنّه ممّن يستشهد به يوم القيامة على الأمم الخالية..»» [5].

ـ وللشهادة وصاحبها قدسية خاصة, لما يحتوي هذا الفرد من صفات سامية: كالوعي في اختيار الطريق فـ «الشهادة تكتسب قداستها من صفتها التضحوية الواعية على طريق الهدف المقدس»[6].

فطوبى لأرضٍ حوت جثمان شهيد، وطوبى لأمة ضمت تراب شهيد، شهيد اتخذ من الحسين النهج ومن العباس راية الوفاء..

-أقسام الشهيد:

بعد تصنيف بعض من خصائص ومميزات الشهيد، لابد من سرد تقسيمٍ للمقتول في سبيل الله.

فبمنظار مدرسة أهل البيت عليهم السلام, أقسام الشهيد تنطلق من الخطوة الأولى له على سلم الشهادة العملية، أي من ناحية وجوده في أرض المعركة, فجاء التقسيم كالتالي:

«الأول: المسلم المقتول في المعركة القتال الذي أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام أو نائبهما الخاص.

الثاني: المسلم المقتول في الجهاد مع الكفار الذي يخاف منهم على بيضة الإسلام في زمن الغيبة.

وفي القسم الأخير وقع الخلاف بين الفقهاء وأن هذا المقتول هل يجب تغسيله وتكفينه أم لا؟ وكان له ثواب الشهيد مثل المبطون والغريق»[7].

يشمل التقسيم الأول الجهاد بنوعيه الابتدائي والدفاعي

أما التقسيم الثاني فقد يشمل الجهاد الدفاعي فقط, حيث أننا نقاتلهم خوفاً منا على بيضة الإسلام وكرامة الدين وعزته. وإيراد كلمة الكفار في القسم الثاني, لتوضيح أن القتال يجب أن يكون مع من أعلنوا الكفر والعداء للإسلام والمسلمين، وهذا غايةٌ في الأهمية..

وأما التقسيم الأخر الذي ورد في كتاب الفقه، فكان محط إجماع تقريباً لدى معظم فقهاء أهل السنة والجماعة، حيث قسموا الشهيد إلى ثلاثة أقسام:

ـ شهيد الدنيا والآخرة: هو الذي يُقتل في قتال مع الكفار، مُقبلاً غير مُدبر، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا..

ـ أما شهيد الدنيا: فهو المقتول في قتال مع الكفار، وقد غلّ في الغنيمة، أو قاتل رياءً، أو لغرض من أغراض الدنيا.

ـ وأما شهيد الآخرة: فهو المقتول ظلماً من غير قتال، كالميت بداء البطن أو الطاعون أو الغرق، أو كالميت في الغربة، كطالب العلم إذا مات في طلبه، والنفساء التي تموت في طلقها ونحو ذلك… [8].

وهذا التقسيم يلاحظ في طياته الأجر والثواب، حيث أن شهيد الدنيا والآخرة، وشهيد الآخرة هما من يحصلان على الوسام الرفيع المنتظر، وأما شهيد الدنيا ومع أنه دخل المعركة غلّ أو طمعاً أو رياءً فإن اللطف الإلهي أوسع من أن يحرمه شرف الانتساب إلى قائمة المقتولين في سبيل الله، وما يترتب على كونه داخل هذه القائمة من امتيازات ودرجات.

* كما يمكن تصنيف المقتول في سبيل الله من الناحية الفقهية البحة، حيث يمكن القول هذا الميت تُطبق عليه أحكام الأموات من التجهيز والتغسيل والتكفين والصلاة، وهذا ميت أُعف منها.

* كذلك يمكن جعل أقساماً للشهيد من ناحية اجتماع الشرائط الواجبة في صدق عنوان الشهيد من العقل والبلوغ والإسلام، أي هذا الشهيد أستوفى الشروط اللازمة لنيل شرف الشهادة، وهذا لم تصدق عليه الشروط الواجبة.

ختاماً.. إن تشخيص المصداق الصحيح للشهيد أمر موكلٌ لله عز وعلا وبالغٌ في الدقة, وتكليفنا الشرعي ينحصر في وقتنا الحاضر, اتقاء الله في الدم الذي يسفك هنا وهناك, على أيدي الجاهلية الأولى..

بقلم مدى حسين زيعور – لبنان

[1] ـ سورة آل عمران، الآية 169.
[2] ـ الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، الجزء الأول، الصفحة 342.
[3] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، لأمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الجزء الثاني، الصفحة 438.
[4] ـ مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، للفقيه المحقق السيد محمد علي الموسوي العاملي، الجزء الثاني، الصفحة 155.
[5] ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، لشيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي (طاب ثراه)، الجزء الرابع، الصفحة 147.
[6] ـ شهيد يتحدث عن الشهيد، للشهيد الشيخ مرتضى مطهري، الصفحة 27.
[7] ـ الجواهر الفخرية في شرح الروضة البهيّة، للفقيه المحقق وجداني فخر +، الجزء الأول، الصفحة 386.
[8] ـ إعانة الطالبين، لبكري الدمياطي، الجزء الثاني، الصفحة 154.
     حواشي الشرواني، للشرواني والعبادي، الجزء الثالث، الصفحة 167.
فتح المعين، للمليباري الهندي، الجزء الثاني، الصفحة 155.
     فتح الباري، لابن حجر، الجزء السادس، الصفحة 33.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *