الرئيسية / الرئيسية / مناسبات / قبسات نورانية
بنت الهدى

قبسات نورانية

من الحياة السياسية للشهيدة بنت الهدى (رض)

ها قد رجعت مرة أخرى، بمشعل جديد يضيء جانباً من جوانب حياة الشهيدة المجاهدة بنت الهدى (رض) باذلة جهدي لإحياء معالم هذه الشخصية العظيمة، مراعية الأمانة في إقتباس جوانب هذه المعالم من كتاب سماحة الشيخ “محمد رضا النعماني” المعروف بإسم “الشهيدة بنت الهدى و سيرتها و مسيرتها”..

و كأني بنفسي جالسة من جديد أمام هذه السيدة الجليلة، أسأل ما يدور في مخيلتي و كأني بها تجيب:

س: سيدتي الجليلة يسعدني مرة أخرى أن أجري هذا الحوار مع سماحتكم، عازمة على بيان مقتطفات أخرى من البعد السياسي لشخصيتكم المباركة، طالبة من حضرتكم أن تكون بداية الحوار بعضاً من الشعر الجهادي المعبّر عن التصميم على إتخاذ طريق الجهاد و الشهادة..

الشهيدة : لقد اشرت الى ذلك في قصيدة وردت في كتابي ( كلمة ودعوة ) أذكر مقتطفات مما

قلت :

قسماً وإن ملــئ الطريق           بما يعيق السير قدمــــــاً

قسماً و إن جهد الزمــان             لكي يثبّط فيّ عزمـــــــاً

فتراكمت سحب الهموم             بأفق فكـــــري فأدلّهما

لن أنثني عمـــــــّا أروم              و إن غدت قـدماي تدمى

كلا ولن أدع الجــــــهاد              فغايتي أعلــــى و أسمى

س: متى كتبتِ هذا الشعر الجهادي؟

الشهيدة: كتبته في السبعينيات حيث كان المجتمع في ذلك الوقت يعيش في سبات عميق و كان بحاجة إلى صحوة و إلى وعي إسلامي، و كلّ ما قمت به من النشاطات كان بفضل توجيهات و إرشادات السيد محمد باقر، و كنت مؤمنة بما أقول و ما أدعو إليه، و لذلك كنت أخاطب أخواتي المؤمنات قائلة:

أختاه هيا للــجهاد و للفدا       و إلى نداء الحق في وقت الندا

هيا اجهري في صرخة جبارة       إنّا بنــــات محمد لن نقعدا

إنّا بنات رسالة قدســــية       حملت لنا عــزاً تليداً أصيدا

س: لا يخفى على أحد مدى الارتباط الجهادي العميق فيما بينك وبين أخيك سماحة السيد محمد باقر، فلا بأس بأن نسمع شيئاً عن هذا الارتباط.

الشهيدة: إن ارتباطي بسماحة السيد إضافة إلى أنه كان على مستوى الفقر والحرمان، فقد ارتبطت به على مستوى الصراع المرير مع سلطة جبارة كفرت بكل القيم والموازين فوقفت إلى جانبه منذ أن اعتقل أول مرة عام 1971م حيث داهمت قوات الأمن منزله و لم يكن فيه غيري و كانت معي والدتي و زوجته و أولاده و خادمه. و قد كان أخي في تلك الفترة في المشفى خاضعاً للعلاج فقمت بالدفاع عن أسرة أخي ولم أخف من قوات النظام الصدامي في ذلك الوقت.

س: هل تعرّض سماحته مرة أخرى للاعتقال؟ و ما دورك في ذلك؟

الشهيدة: لقد تعرض السيد في انتفاضة صفر عام 1977م إلى الاعتقال مرة أخرى حيث كانت السلطة في عنفوان جبروتها و تعتقل كل من يقع في قبضتها، و قد وقفت إلى جانب أخي ولم أتخلى عنه وعن الدفاع عنه حتى عاد من بغداد.

س: ماذا حدث بعد ذلك ؟؟

الشهيدة: في شهر رجب عام 1979م بدأت قوات الأمن تتواجد بكثافة لتطويق منزل السيد تمهيداً لاعتقاله.. ولمّا حانت ليلة السابع عشر من رجب كنت في حركة دائبة مراقبة حشود النظام الصدامي و قد أدركت أن أخي سوف يعتقل في الصباح، و لذلك ذهبت إلى غرفتي و أخرجت مجموعة من الصور و الرسائل و وضعتها في صحيفة و أحرقتها على سطح الدار حتى لا تقع في يد السلطة و أبقيت مجموعة منها كنت أعتز بها.

س: وهل حدث ما كنت تتوقعينه؟

الشهيدة: نعم، لقد رأيت سماحة السيد صباح ذلك اليوم يخرج مع مدير أمن النجف و لكني سبقت أخي و توجهت إلى حيث كانت تقف السيارة و نظرت إلى سماحة السيد و قمت بالهتاف: “الله أكبر.. الله أكبر.. ” لقد كان أخي وحده بلا سلاح و لا مدافع و في قباله كل هؤلاء المدججين بالسلاح و رشاشات الكلاشنكوف.

س: ألم يستولي عليكِ الخوف في تلك اللحظات؟

الشهيدة: لقد كنت أنظر لأولئك المدججين و أقول لهم : “والله إنكم تخافون لأنكم تعلمون أن أخي ليس وحده، كل العراقيين معه وقد رأيتم ذلك بأعينكم و إلّا فلماذا تعتقلون فرداً واحداً لا يملك جيشاً ولا سلاحاً بكل هذا العدد من القوات.. إننا والله لا نخاف من شيء، لا منكم ولا من غيركم، لا نخاف من سجونكم و معتقلاتكم، و مرحباً بالموت إذا كان في سبيل الله “..

س: هل من كلمات خاصة ذكرتها لأخيك لحظات اعتقاله؟

الشهيدة: لقد نظرت إليه و قلت له: “إذهب يا أخي فالله حافظك و ناصرك فهذا طريق أجدادك الطاهرين”.

س: ألم تكن هناك محاولات من السلطة للتعرض لك في ذلك اليوم؟

الشهيدة: لقد قام أحد المجرمين و إسمه “عارف جلوي” و قد شهر سلاحه بوجهي و أراد إطلاق النار عليّ لإسكاتي عن الكلام ولكني بقيت مستمرة في كلامي وبعد ذلك قام بعض الحاضرين و نهر ذلك المجرم على ما فعله وعلى أثر الكلام الذي قلته في ذلك اليوم بدأ ذلك الحشد بالتفرّق شيئاً فشيئاً.

س: نُقل عنك ذلك الموقف الجريء في الحرم العلوي، فيا حبذا لو تحدثيننا عنه.

الشهيدة: بعد اعتقال سماحة السيد توجهت إلى حرم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لأخبر الناس باعتقاله ولكني وجدت أن عدد الناس كان قليلاً، فقررت الذهاب مرة أخرى، وهنا قام سماحة الشيخ النعماني و طلب منّي التريّث، لعل السلطة تطلق سراح السيد محمد باقر فكان جوابي له: “إن المسؤولية الشرعية والواجب الديني يفرض عليّ اتخاذ هذا الموقف .. إن زمن السكوت قد ولّى .. لقد سكتنا طويلاً و كلما سكتنا كبرت محنتنا.. لماذا أسكت و أنا أرى مرجعاً مظلوماً يقع في قبضة هؤلاء المجرمين، ألم ترهم وقد تجمعوا عليه كالحيوانات المفترسة؟ لم أصبر؟ إن اليوم يوم جهادي ..”

س: ما عزمت على القيام به .. ألم تخافي من الإعدام ؟

الشهيدة: الله يشهد أني أتمنى الشهادة في سبيله، لقد قررت أن أستشهد منذ اليوم الأول الذي جاءت فيه الوفود.. أما أنا فسواء عندي أعيش أو أقتل مادمت واثقة أن موقفي كان طلباً لمرضاة الله ومن أجله عزوجل !!

س: لقد تحدثنا في الأعداد الماضية عن أحداث مابعد الاعتقال و ما جرى عليك وعلى سماحة السيد محمد باقر، و لا أريد فتح الجراح مرة أخرى، تلك الجراح التي لمّا تندمل، ولكن في ختام هذا الحوار لا يسعني إلّا أن أختم بقوله تعالى:

“من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً”[1]..

السلام عليكِ وعلى أخيكِ، السلام عليكم يوم ولدتم ويوم إستشهدتم ويوم تبعثون أحياء، تقدمون على رب كريم .. “ولا تحسبن الله بغافل عمّا يعمل الظالمون”[2]..

عبير شرارة – لبنان

[1] – الاحزاب : 23

[2] – ابراهيم : 42

شاهد أيضاً

28_20090825_1076253507

ذو الجناح

لم تتعرض كتب المقاتل والتواريخ لبيان مصير الجواد ذي الجناح بصورة مفصلة، وغاية ما ورد …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *