الرئيسية / الرئيسية / المؤمنُ الحقُّ بين الزهدِ وحبّ الدنيا
deen2

المؤمنُ الحقُّ بين الزهدِ وحبّ الدنيا

 كثيراً ما يجهل الناس أهدافهم في هذه الحياة, يجهلون الغايات والوسائل, يريدون أن يكونوا الأفضل في كل المستويات, لكن يجب الالتفات إلى أن ذلك لا يتم إلا على حساب القيام بأمور يرضاها الله تعالى.. ومن تلك الأمور التي تأخذ بيد العبد نحو الكمالات هو الزهد..

لكن يجب أن نعرف الزهد بحيثياته الصحيحة ولوازمه المحكمة والمترابطة التي لا تنفصم عراها عن الواقعية والمصداقية والعيش براحة مع المجتمع الإنساني. حيث يذهب الكثير إلى الفهم الخاطيء للزهد والذي يقتصر على التخلي عن المجتمع الإنساني والتعامل مع الآخرين, في حين أن القراءة الصحيحة لهذا المفهوم

الإنساني ليس كما يتصوره الناس, وعليه يتطلّب الأمر أن ندرس هذا المفهوم الإسلامي من منابعه الصحيحة بما فيها القرآن الكريم وسنة الرسول”ص” وعترته الطاهرة”ع”.

  

تعريف الزهد

ذكر أصحاب اللغة بأن الزهد من زهد بالشيء زهادةً بمعنى أعرض عن الشيء لاحتقاره له أو لتحرجه منه أو لقلته. ويقال زهد في الدنيا بمعنى ترك حلالها مخافة حسابه وترك حرامها مخافة عقابه.[1]

وأما في الاصطلاح فمنهم من عرّف الزهد بفقر الزهّاد وصغر اليدين من الدنيا ضبطاً وطلباً وإسكات اللسان عنها ذمّاً أو مدحاً والسلامة منها.[2]

ومنهم من عرّفه بالتزام التقشّف والتوازن اللائق وفق ما يناسب مكانتهم الاجتماعية, وليس الزهد في التظاهر بالملابس البالية, والمرقعة وعدم الاهتمام بالمعاش والحياة كما هو دأب بعض المتقدّسين.[3]

ولقد ذكر الأئمة”ع” حقيقة الزهد عند قوله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}[4] بأن الذي يزهد قلبه في الدنيا ويرغب لما عند الله من النعيم المقيم هو الوحيد الذي لا يتأسى على ما يفوته من حطام الدنيا ولا يفرح بها إذا أتته.[5]

وعن رسول الله”ص”: “الزهد في الدنيا قصر الأمل, وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرّم الله”[6]

وعن أمير المؤمنين”ع”: “الزهد كلمة بين كلمتين, قال الله تعالى { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه”[7]

وعن الإمام الصادق”ع”: “الزهد مفتاح باب الآخرة، والبراءة من النار، وهو تركك كل شيء يشغلك عن الله، عن غير تأسف على فوتها، ولا إعجاب في تركها، ولا انتظار فرج منها، ولا طلب محمدة عليها، ولا عوض منها، بل ترى فوتها راحة، وكونها آفة، وتكون أبداً هارباً من الآفة، معتصما بالراحة”[8]

كما أن هناك دعوة لنيل الزهد من قبل إمامنا موسى الكاظم”ع” حيث يقول: “لا تجلسوا عند كل عالم إلا عالم يدعوكم من الخمس إلى الخمس: من الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الرغبة إلى الزهد”[9]

وهذه الرسالة الإلهية الجارية على لسان المعصوم لهي دعوة صريحة للاتجاه نحو الباري عزّ وجل عن طريق الزهد.. وهذا يحتاج إلى دراسة وتتبع وتحليل لحقيقة الزهد وسيرة الزاهدين وسبلهم للوصول إلى جوهر هذا المفهوم الديني والأخلاقي.

أسباب الزهد

إن من أهم أسباب الزهد المحبذ هو حبّ الله تعالى والشوق إليه وهذا هو السبب الأساس لزهد الأنبياء والأئمة الأطهار”ع”, ولذا كانت عبادتهم عبادة الأحرار, فبغض النظر عن الثواب والأجر الحاصل عن زهدهم في الدنيا إلا أن عبادتهم وزهدهم كانا لأجل حبّهم للذات المقدسة, لأن الله تعالى أهل لأن يعبد لا لأجل الدنيا ولا لأجل الجنة وهذا ما نجده في أحاديثهم وسيرتهم الطاهرة.. والسبب الآخر هو الاقتداء بالنبي”ص” وأهل بيته الأطهار”ع” حباً لهم واقتفاءً لأثرهم وإن كان التأسي بهم أمراً صعباً للغاية لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله..

هذا بالنسبة للزهد الذي يرتضيه الله تعالى لعباده, وأما الزهد المكروه أو الذي يصل في بعض الأحيان إلى حدّ الحرمة لحرمة غاياته وأهدافه, فأسبابه قد تكون لنيل الشهرة في المجتمع بأنه عبد زاهد فينال بذلك مكانة تجعل الناس يحترموه ويقدّروه..

ولعل السبب يكون لأجل نشر أفكاره الخاصة وذلك باتخاذ أتباع له, حيث يتّبع جملة من الجاهلين أمثال هؤلاء المدّعين الذين ربما يبني بعضهم مدرسة خاصة به وبأتباعه فينشر ما يريد من أفكار من خلال اتخاذ مظهر الزهد والعبادة كما نراه في بلاد الهند وغيرها..

                       للبحث تتمة.. فتابعونا

فاطمة آزادي منش _ إيران

[1] . انظر المعجم الوسيط, ج1, ص403.

[2] . انظر: فلسفة الأخلاق الإسلامية, إبراهيم الزنجاني, ص143.

[3] . العلم والعلماء في الكتاب والسنة, عبد العظيم البحراني, ص189.

[4] . سورة الحديد: الآية 23.

[5] . انظر العلم والعلماء في الكتاب والسنة, البحراني, ص189.

[6] . منتخب ميزان الحكمة, الريشهري, ص250.

[7] . المصدر السابق, ص250.

[8] . بحار الأنوار, المجلسي, ج67, ص315

[9] . بحار الأنوار, المجلسي, ج1, ص 205.

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …