الرئيسية / الرئيسية / منوعات / دفنتْ كلّ أمل.. منعتْ كلّ لقاء..
مسجد الكوفة المعظم في النجف الاشرف ،تظهر فيه قبه سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل
مسجد الكوفة المعظم في النجف الاشرف ،تظهر فيه قبه سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل

دفنتْ كلّ أمل.. منعتْ كلّ لقاء..

أقدام تهرول.. نفسٌ يتصاعد.. نبضاتُ قلبٍ ترتفع..

وصوت ينادي.. أسرعوا.. أسرعوا..

إنه صوت الحبيبة أمي.. وهي تهرول وتسحبني من يدي..

وعيناها تارةً إلى الطريق.. وتارةً إلى أخوتي..

لكن إلى أين؟؟..

إلى مسجد السهلة.. لا.. لا.. إلى مسجد الكوفة..

نعم إلى مسجد الكوفة.. حيث الأمن والأمان هناك..

حيث محراب أميري علي “ع” هناك..

حيث قبة سفير الحسين “ع” بنورها الذهبي هناك..

أجل هناك تسكن النفوس.. وتهدأ القلوب..

ونحن في أحد أروقة ذلك المكان المقدس.. أنا أمي.. أخوتي..

فبعض استلقى من التعب.. وبعض جعل رأسه بين ركبتيه..

وأمي.. وما أدراك ما حال أمي..

كانت محدقة بعيونٍ باكيات إلى قبة السفير.. وهي تهمهم بصوتٍ هاديء..

بحق عزيز فاطمة”س”.. هلّا يسرّت أمري..

كانت ترتل الآيات.. الأدعية.. الأوراد.. لانتظار فرجٍ تترقبه من رب العباد..

وهيهات له سبحانه أن يترك مخلصيه حيارى..

لحظاتٌ كانت تمرّ كأنها الساعات.. الأيام.. ولعلها السنين..

وإذا برجلٍ يقطع ذلك السرد الخريفي.. ليسأل أمي بلحنٍ ربيعي.. ما بك يا أختاه؟..

ما كان لأمي أن تطمئنّ لأي شخصٍ كان..

لكن ملامح ذلك الرجل كانت مغناطيساً لاطمئنان القلوب..

محاسنٌ فضية.. زادت وجهه بهاءاً..

جبينٌ معفرّة.. أنارت سيماه إيماناً..

لا أعلم ما قالت له أمي.. فلقد أبعدتني عنها مخافة أن يزلّ لساني يوماً.. وأبيح بسرّها..

فلقد كنت برعمة في العمر..

سرنا خلف الرجل.. إلى أحد بساتينه في الحيرة.. حيث هناك كوخ صغير..

بين عشبٍ.. شجرٍ.. ثمارٍ.. نخيل..

وبدأنا نطوي الأيام هناك.. بعيداً عن السعادة..

وأنى للسعادة أن تأتي؟!.. وأنا أستيقظ بصوت أمي الجميل..

الذي كان يحنّ قصب الكوخ لنغماته.. وهي تنعى أحبتها.. بلهجةٍ عراقيةٍ أصيلة..

لا أدري من تفقد؟!..

فمرّة تذكر أمها وأباها.. وأخرى تذكر أختها وأخاها..

ومرّةً تذكر ابنها.. وأخرى تذكر زوجها..

أظن أن سيل الطغيان قد جرفهم جميعاً وأخلى دارها..

ولم يكتف بذلك.. بل زاد طمعه ليطاردها وأولادها الصغار..

لتترك ذلك الكوخ ثانيةً.. فلقد انكشف السر.. وعُرف المكان..

فلا بدّ أن نرحل.. نهاجر.. ولا مكان لنا في الوطن بعد اليوم..

ورحلنا.. سيراً على الأقدام.. عبوراً للجزر.. وتحليقاً في جو السماء..

لينتهي المطاف بنا إلى بلدةٍ بعيدةٍ..

لتمرّ الأعوام.. غربةً.. فراق..

دموع.. أنين.. وحال لا يُطاق..

حتى اندثر الطاغية من بلادي وعدنا للعراق..

بأمل كسر السجون.. بأمل اللقاء.. بأمل التلاق..

ولكن أي تلاقٍ يا ترى؟.. تلاقٍ مع أسماء أحبتي فقط..

الذين لم يبقَ منهم سوى حبر خُط على أوراق..

أوراق.. قوائم.. بل طوامير لأسماء أناس أبرياء..

في مقابر جماعية.. دفنت كلّ أمل.. منعت كلّ لقاء..

زهراء السالم – العراق

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …