قسوة القلب

7 نوفمبر، 2015 أسرة, الرئيسية 1,510 زيارة

يقول الله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَْ}[1]

في هذه الآية الشريفة موضوع أخلاقي مهم، مرتبط بجارحة مهمّة من جوارح الإنسان ألا وهي القلب، فكما نعلم أن للإنسان بعدين بدن وروح, وكما للبدن صحة وأمراض فللروح أو القلب أيضاً صحة وأمراض تعتريه، ويعتبر مرض القلب أشد فتكاً آلاف المرات من مرض الجسد لأنه نهاية ما يصل إليه مرض البدن هو الموت فإذا مات وفارقت الروح الجسد زالت جميع الأمراض البدنية، أما مرض القلب والروح فتكون نتائجه في الدنيا والآخرة معاً.

ومن جملة الأمراض التي تشير لها الآية الكريمة قسوة القلب، وإذا رجعنا إلى سبب نزول هذه الآية, فهي تحدثنا عن قسوة قلوب بني إسرائيل بعد قصة ذبح البقرة، لأجل تحديد هوية القاتل الذي قام بقتل ابن عمه واتهم شخصاً آخر من بني إسرائيل بقتله، فاحتكم القوم إلى موسى”ع” فأوحى إليه الله تعالى بأن يذبحوا بقرة، فلما ذبحوها بعد محاولات عديدة أمر سبحانه أن يضربوا المقتول ببعض البقرة حتى يحيى المقتول ويعين القاتل, ومع رؤية هذه المعجزة التي كان من المفروض أن تزيد إيمانهم وانصياعهم لنبيهم موسى”ع”، قست قلوبهم بنحو وصفه الله سبحانه وتعالى بالحجارة أو أشد من الحجارة إذ أن من الحجارة ما يتفجر منها الأنهار، ومنها ما يهبط من خشية الله..

وبالتأمل في الآية الشريفة نرى أنها جاءت في مقام ذم بني إسرائيل على هذه القسوة، وهذا دليل على أن للإنسان الدور الكبير في عروض هذه القسوة على قلبه وإلا لا يصح ذمهم على ذلك.

إذن فقسوة القلب ناشئة من أفعال العبد نفسه ومن هنا حريٌ بنا أن نتعرف على بعض الأسباب التي تؤدي إلى قسوة القلب لتجنبها.

قراءة القرآن وذكر الموت:
فقد جاء في الروايات عن النبي|: «إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد» قالوا: وما جلاؤها يا رسول الله؟ قال: «تلاوة القرآن و ذكر الموت»[2]. هذا القرآن الذي هجره المسلمون فتركوا تلاوته، وإذا تلوه لم يتدبروا في آياته، وإذا تدبروا لم يعملوا بما جاء فيه. أما الموت فذكره بين الناس مفقود وكأنه قد كُتب على غيرهم…
إحياء أمر أهل البيت”ع” وتعظيم شعائرهم:

وخاصة منها مجالس الإمام الحسين”ع”, كما قال الإمام الصادق”ع”: «تلاقوا وتذاكروا و أحيوا أمرنا رحم الله من احيا أمرنا»[3]…

كثرة الذنوب:

السبب الأول لقسوة القلب هو كثرة الذنوب فيقول الإمام علي”ع”: «ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب»[4]. لأن كل معصية في هذا العالم تُوجد في النفس أثراً وتُبقي في القلوب لطخة سوداء تبعث على شدة الأنس والتعلق بهذه الدنيا. فالذنوب تقوم ببناء جدار عازل، يعزل الروح عن التأثر بالمواعظ، ولا يزال الإنسان مداوماً على الذنوب حتى يستحكم هذا الجدار ويصبح صعب الإزالة, فيضل صاحبه الطريق وهذه هي قسوة القلب فيصبح الإنسان كما وصفه القرآن {أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها}[5] إذن فلا بد للإنسان من مراقبة الذنوب كما جاء في حديث امير المؤمنين”ع”: «يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت<[6]

ترك ذكر الله:

أما السبب الثاني فهو ترك ذكر الله، فعن الإمام الصادق”ع”: >أوحى الله عز وجل إلى موسى”ع” يا موسى لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال، فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب<[7] . لأن الإنسان إن لم يكن ذاكراً فهو حتماً غافل، والغافل طعم سهل للشيطان. فلا بد للإنسان أن يكون ذاكراً لله في جميع أحواله, ذكراً قولياً بالأذكار والتأمل فيها, وذكراً عملياً، بمراقبة نفسه عند الطاعة والمعصية وحتى عند المباح، فيستشعر الإنسان الله تعالى في كل أعماله وهي درجة أعلى من الأولى.

أما الذكر القلبي فهو درجة أعلى لمن لا يشاهد في هذا الوجود إلا الله كأمير الموحدين”ع” الذي يقول: «ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه وقبله وبعده»[8].

طول الأمل:

كما أشار إليه القرآن الكريم: {أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون}[9]‏

فطول الأمل يُقسي القلب كما قال الإمام علي”ع”: «من يأمل أن يعيش أبداً يقسو قلبه ويرغب في دنياه»[10]، فطول الأمل يؤدي إلى نسيان الآخرة ونسيان يوم القيامة هو الخسران الكبير فيعتقد الإنسان أنه يعيش أبداً فيقسو قلبه ويتورط في أبشع الذنوب والجرائم، ثم يُمني الإنسان نفسه بالتوبة.

إذن هذه عدة أسباب وموجبات لقسوة القلب ومن الطبيعي أن تجنّب هذه الأمور يؤثر إيجابياً في القلب، ولكن لا نقول إنه العلاج بل هو الوقاية وهي خير من العلاج، فعن أمير المؤمنين”ع”: «ترك الذنب أهون من طلب التوبة»[11].

ونجد أن الأئمة”ع” كانوا دائماً عندما يذكرون الداء، يذكرون الدواء معه، ولأجل ذلك فإننا نجد العديد من الأحاديث التي تذكر الأمور التي تؤدي إلى رقة القلب, منها:

الدعاء والتوسل إلى الله:

لأن الدعاء يفتح باب اللقاء معه عز وجل والأنس به، ولكن يجب عندما نكون في حالة الدعاء أن يكون لدينا ذلك الشعور بأننا نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الدعاء يفقد روحه وأثره عندما تُسلب من الانسان حالة التوجه والانقطاع إلى الله، ويقول أحد العظماء >أن أُسلب الدعاء أخوف من أن أُسلب الإجابة<.

وفي الآخر نسأل الله أن نكون من الذين قال عنهم في كتابه الكريم: { إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليم‏}[12]

أم فاطمة – الجزائر

[1] . البقرة : 74.

[2] . مستدرك الوسائل, الطبرسي, ج3, ص 104.

[3] . المصدر السابق, ج78, ص 219.

[4] . بحار الأنوار, المجلسي, ج76, ص55.

[5] . سورة محمد: 24.

[6] . بحار الأنوار, المجلسي, ج74, ص77.

[7] . الكافي, الكليني, ج2, ص497.

[8] . موسوعة العقائد الإسلامية, الريشهري, ج3, ص75.

[9] . سورة الحديد: 16.

[10] . مستدرك الوسائل, الطبرسي, ج12, ص 94.