الرئيسية / الرئيسية / الصوم بين الأسلام والطب الحديث
صوموا

الصوم بين الأسلام والطب الحديث

 بسم الله الرحمن الرحيم (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة ١٨٣ صدق الله العلي العظيم.

بهذه الآية القرءانية الكريمة، فرض الله عز وجل الصوم على المؤمنين كركن أساسي من أركان الإسلام، والآية المباركة تختتم بعبارة (لعلكم تتقون)، فكما أن القرءان الكريم يصف الصلاة بأنها ( تنهى عن الفحشاء والمنكر )، فإنه كذلك يجعل من الصوم وسيلة لتدريب المؤمنين والمؤمنات على الالتزام بأوامر الله جل وعلا وتجنب معاصيه.

يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: (صوموا تصحوا). ولعل هذا الحديث الشريف الذي ينطبق عليه المثل القائل: (خير الكلام ما قل ودل ) قد يشمل أنواعاً متعددة من الصحة كالصحة الروحية والاجتماعية والنفسية والبدنية.

فكما أن شهر رمضان يمثل دورة تربوية تعبوية في مجال الصبر على الصعاب وترويض النفس على تحمل المشاق وكبح جماح الهوى والشهوات والإحساس بجوع الفقراء وجوع وعطش يوم القيامة، فإنه يشكل أيضاً فترة ترميمية لاستعادة النشاط والمحافظة على صحة الجهاز الهضمي بصورة خاصة والبدن بصورة عامة، على اعتبار أن (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء) كما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكن من المؤسف أن كثيراً من الصائمين والصائمات يسرفون في المأكل والمشرب من المغرب حتى مطلع الفجر ، وبذلك تنتفي أحدى الحكم المتوخاة من الصيام، ناسين أو متناسين قوله جل وعلا: (وكُلُوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحبالمسرفين) الأعراف ٧.

هذه الآية الكريمة التي اختزلت علم التغذية بهذه الكلمات القليلة، تؤكد بأن هذه التوصية ليست إرشادية فحسب بدليل ختام الآية الذي يقرر بأن الله تعالى لا يحب الذين يسرفون في أكلهم وشربهم. وهذا المعنى قد تكرر في العديد من الأحاديث الشريفة الواردة عن النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام، مثل قول النبي المصطفى (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) وقوله (ما ملأ ابن آدم وعاء قط شراً من بطنه) وقول الإمام علي عليه السلام (لا صحة مع النهم) وقوله (لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه وجود المضغ) وقول الإمام الصادق عليه السلام (لو اقتصد الناس في المطعم لاستقامت أبدانهم) إذاً فالصوم مفيد لصحة أجسام الأصحاء ولكثير من المرضى، ولكنه قد يضر بعض المرضى، وقد قرر القرءان المجيد هذه القاعدة بقوله عز من قائل (فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فَعِدَّة من أيام أخر) البقرة ١٨٤. وقد ذكر الفقهاء الأجلاء في رسائلهم العملية شرائح معينة من الناس إذا خافوا الضرر وهم الشيخ والشيخة (كبار السن) والحبلى المقرب والمرضع قليلة اللبن وذووا العطاش وهم الذين يعانون من العطش الشديد ويحتاجون إلى شرب كميات كبيرة من الماء باستمرار.

والفقهاء يفتون بأن كل المرضى الذين يخافون من ضرر الصوم ضرراً يعتد به يجوز لهم الأفطار، وفي حالة العلم بالضرر فلا يجوز ولا يصح الصوم منهم . ويظهر من عبارات الفقهاء أن تقدير الضرر هو من مسؤولية المكلف نفسه، أما في حالة الشك فيمكن الإستعانة برأي الطبيب الثقة والحاذق وقد حدد أمير المؤمنين عليه السلام مواصفات أمثال هؤلاء الأطباء بقوله:(من تطبب فليتق الله ولينصح وليجتهد).

أما فيما يتعلق بتناول الأدوية أثناء الصيام، فإن الفقهاء يعتبرون تعاطي الدواء عن طريق الفم مفطراً لأنهم ألحقوا ذلك بالأكل والشرب، أما الدواء الذي يزرق بالعضلة أو الوريد فاعتبروه غير مفطر لأنه لا يدخل عرفاً في باب الأكل أو الشرب.

من المعروف أن معظم المرضى يأخذون أدويتهم مرة واحدة أو مرتين في اليوم ولا يتعارض ذلك مع صومهم أما الذين يتناولون الأدوية ثلاث مرات أو أكثر فينبغي لهم مراجعة طبيبهم والطلب منه أحد الخيارات التالية:

١- إيقاف الأدوية غير الضرورية .

٢- وصف بديل مشابه في المفعول .

٣- وصف نفس الدواء ولكن بشكل بطيء الإمتصاص حيث أن كثيراً من شركات الأدوية بدأت بإنتاج مثل هذه العقاقير لتقليل عدد الحبوب التي يتناولها المريض في اليوم الواحد

٤- وصف نفس الدواء ولكن على شكل ( إبر) تعطى بالعضلة أو الوريد. أما إذا كان الدواء ضرورياً للمريض ولا يمكن تبديله أبداً ، حينذاك يحق للمريض أن يفطر في أمثال هذه الحالات .

ينبغي أن نلاحظ بأن الفقهاء اختلفوا في نوعين من الأدوية :

١- السوائل المغذية التي تعطى بالوريد: فالبعض ألحقها بالطعام والشراب واعتبرها مفطرة، والبعض الآخر اعتبرها غير مفطرة باعتبار أنها لا تدخل الجوف عن طريق الفم، هذا أذا افترضنا بأن الحالة التي استوجبت إعطاء المغذي لا تتعارض مع الصيام.

٢- الأدوية التي تستعمل في علاج مرض الربو وتعطى عن طريق الاستنشاق، وهي التي نسميها باللهجة العامية (البخاخات) وإسمها باللغة الفصحى (النشوقات) جمع (نشوق) وهو كل دواء يؤخذ عن طريق الاستنشاق. هذه الأدوية صممت لكي تذهب إلى الجهاز التنفسي، ولكن الفحوص المختبرية أظهرت أن قسماً منها قد يصل إلى المعدة، غير أن النسبة التي قد تصل إلى المعدة تختلف باختلاف الجهاز المستعمل وخبرة المريض في طريقة تعاطي الدواء.

هناك نوعان من هذه النشوقات:

النوع الأول موجود على شكل سائل مضغوط ويرش على الحلق بصورة رذاذ ، فبعض الفقهاء يعتبره مفطراً باعتبار أن بعض هذا الرذاذ قد يصل إلى المعدة.

والنوع الثاني موجود على شكل مسحوق ويدفع إلى الحلق بصورة غبار، ولذلك فإن بعض الفقهاء يلحقه بالغبار الغليظ ويعتبره مفطراً.

وهناك فريق من الفقهاء يجيزون استعمال كل أنواع النشوقات باعتبار أنها مصممة للوصول إلى الجهاز التنفسي وليس إلى المعدة.

وعلى ذكر الغبار فأحب أن أشير إلى موضوع التدخين، حيث أن معظم الفقهاء يلحقون دخان التبغ بالغبار الغليظ ويعتبرونه مفطراً، ولذلك فإن الصائمين المدخنين يمتنعون عن التدخين في نهار شهر رمضان الذي قد يكون طويلاً كما هو الحال في فصل الصيف. فإذا كان الصائم المدخن يستطيع أن يصبر عن التدخين على مدى هذه الساعات الطويلة، فليأخذ من هذا الشهر الفضيل مناسبة للإقلاع بشكل نهائي عن هذه العادة السيئة الوبيلة، فقد ثبت علمياً بأن التبغ يحتوي على أكثر من أربعة آلاف مادة كيمياوية سامة وهو سبب رئيس للعديد من السرطانات وعلى رأسها سرطان الرئة القاتل وكذلك الكثير من أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي وبقية أعضاء وأنسجة الجسم، كما أن التدخين يعتبر أحد أسباب العنة عند الرجال والعقم عند الرجال والنساء.

وكذلك إذا دخنت المرأة الحامل فإنها قد تسبب العديد من الأمراض للجنين أو للرضيع . بالإضافة إلى أن المدخنين قد يسببون أضراراً صحية لغير المدخنين وخاصة الأطفال إذا دخنوا بحضرتهم .

وأخيراً أود أن أوضح بأن التدخين بمختلف طرقه وأساليبه يحمل درجة عالية من الخطورة على صحة المريض وعلى عائلته، بما في ذلك ما يسمى (النركيلة) أو (الشيشة) التي انتشرت مع الأسف انتشاراً فضيعاً هذه الأيام بين جيل الشبان والشابات.

أختم كلامي بالحديث الشريف المروي عن الإمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق: ( وحق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك)، والحديث الشريف المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: ( إذا أصبحت

صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك).

د. نزار الحیدري- العراق

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …