1

الرشوة

تعتبر الرشوة من الظواهر المشؤومة ومن الأوبئة الاجتماعية التي ابتلي بها البشر منذ أقدم العصور, والمؤدية إلى تمرد الطبقات المسحوقة في المجتمع, والمانعة من إقامة العدالة الاجتماعية.

كما أن العرف يحكم بقبح واستهجان هذه الظاهرة الاجتماعية البشعة, وقد صرح الشارع بحرمتها وأدانتها, بل جعلها ضمن إطار المعاصي والذنوب الكبيرة التي توعد مرتكبها بنارٍ أليمة. ذلك لأن الرشاء هي إحدى العوامل التي تجر القوانين لصالح الطبقات المقتدرة دون الضعيفة, والحال أن الإسلام دين المساواة والعدالة, وعلى ذلك سنّ قوانينه لصيانة مصالح الفئات الضعيفة التي لا تمتلك جهة أو مرجعاً تلوذ إليه, ليحميها من الظلم والاعتداء الناشئ من الطبقات القادرة.

هذا مع أن قبح الرشوة قد يدفع بالراشين للالتجاء إلى أنواع الحيل كي يغطوا رشوتهم بقناع من الأسماء الأخرى كالهدية ونظائرها, ولكن هذه التغطية لا تغيّر من ماهية العمل شيئاً والأموال المستحصلة عن هذا الطريق محرمة غير مشروعة.

تعريف الرشـوة:

وقد عرفت الرشوة لغة, بالجعل وقال الطريحي في مجمعه: إن أصل الرشوة من الرشاء, وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء. وعليه يكون الراشي هو الذي يعينه على الباطل؛ والمرتشي, الآخذ والرائش من يسعى بينهما يستزيد لهذا أو يستنقص لذلك.

وأما محصل كلام الفقهاء وأهل العرف عن معناها الاصطلاحي هي: إن الرشوة مايعطيه أحد الشخصين للآخر لأحقاق حق أو تمشية باطل أو للتملّق أو الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة أو في عمل لا يقابل بالأجرة.

 

الأسباب المؤدية للرشوة :

أ. أسباب سياسية :

لا شك أن الرشوة هي داء منتشر في أغلب الأنظمة السياسية التي لا توجد لديها مساحة كبيرة من الديمقراطية ولاتتاح فيها حرية التعبير والرأي والرقابة, وذلك ناشئ من ضعف السلطة القضائية، ويعدّ ذلک سبباً لتعاطي الرشوة.

ب. أسباب إدارية :

تلعب الإدارة دوراً كبيراً في مكافحة الرشوة بل تعد مسؤولة تماماً عن مكافحتها, ولعل أهم الأسباب الإدارية هي تخلّف الإجراءات الإدارية وغموض الأنظمة وضعف دور الرقابة وعدم فعاليتها, كما يعد عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب والوصول إلى المناصب عن طريق وأساليب غير شرعية سبباً أساسياً للعمل بالرشوة.

ج. أسباب اقتصادية:

ويعتبر العامل الاقتصادي من أهم العوامل التي يؤدي إلى انتشار الرشوة, وهو أمر عائد إلى انخفاض مستوى المعيشة وتدني الأجور مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار في قبال ذلك ارتكاز الأموال لدى فئة معيّنة من الأشخاص.

د. أسباب أجتماعية :

وقد تعتبر الرشوة سلوك اجتماعي غير سوي قد يلجأ إليه الفرد أو الجماعة كوسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية المتعارفة منها ضعف الوعي الاجتماعي وتدني المستوى التعليمي وضعف الوازع الديني والأخلاقي.

الاستدلال على حرمة الرشوة:

من أهم الآيات التي يستند إليها الفقهاء العظام لتحريم الرشوة قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل …) البقرة 188.

حيث صرح صاحب الأمثل أن هذه الآية الكريمة تشير إلى أحد الاصول المهمة والكلية للاقتصاد الإسلامي الحاكمة على مجمل المسائل الاقتصادية, بل ويمكن القول أن جميع أبواب الفقه الإسلامي في دائرة الاقتصاد تدخل تحت هذه القاعدة, وقيل في معناه قولان:

1- أن يكون ذلك على جهة الظلم نحو الخيانة والسرقة والغصب.

2- لا تأكلوه على وجه الهزء واللعب مثل مايوجد في القمار والملاهي ونحوها .

وفي الواقع بالتدقيق في هذه المسألة, نلاحظ أن هذه الآية تشير إلى تشريع آخر مضافا إلى التشريعات الإسلامية التي يراد من خلالها تنظيم الواقع الاجتماعي للمسلمين, ولكنه تشريع يتعلق بالعلاقات المالية بينهم فالإسلام يقرّ الملكية الفردية التي تقتضي اختصاص كل فرد بحصته من المال الذي أعده الله وخلقه للإنسان ولكنه نظم له طريقة الاختصاص والتملك بطرق شرعية خاصة فأحل له ذلك بأسباب وحرّم عليه بأسباب أخرى فقد تعرضت الآية في حركة التطبيق العملي لهذا الخط من أجل أن يحكموا لهم بالباطل في ما يتنازعون فيه من قضايا الأموال والحقوق وما يقدمونه ضد بعضهم البعض من دعاوي باطلة, فإن الآية تشجب هذا السلوك وتنبّه الناس على أن لا يقدموا أموالهم إلى الحكّام على سبيل الرشوة من أجل أن يأكلوا فريقاً من الناس بالطرق غير الشرعية التي لا يكسب الإنسان منها الإ الإثم والعذاب.

وهناك آية أخرى إضافة إلى الأولى وهي قوله تعالى{ سمّاعون للكذب أكّالون للسحت} المائدة :42.

والشاهد قوله تعالى(أكالون للسحت) وقد عرف المال السحت بكل حرام يلزم آكله العار ويسمى سحتاً لأنه بقاء له.

أما الروايات الواردة في هذا المجال كثيرة جداً نكتفي منها بقول الرسول | (إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة).

فمن هنا يظهر أن الرشا حقاً كان أم باطلا, حرام مطلقاً بدليل الكتاب والسنة, ولكن إذا توقف احقاق الحق على بذل شيء بحيث لو لم يبذله لوقع في الضرر العظيم وضاع حقه جاز البذل لتقدم قاعدة نفي الضرر, حينئذ نظير ما قد يبذل للظالم دفعاً لأذاه وتحفظاً من ضرره.

حكم المال المأخوذ من الرشوة:

لا خلاف في أن المرتشي لا يملك الرشوة المحرمة التي لم تكن بعنوان العقود المحاباتية بل لابد من إعادتها وعليها صرّح جمع كثير من الفقهاء كصاحب العروة والجواهر و … وذلك إما لوجوب رد المغصوب والمأخوذ بغير حق بمنزلة المغصوب أو من حيث على اليد ماأخذت حتى تؤديه.

وأما مع تلفها في يده أو اتلافه إياها فهل يضمن أولا؟ المسألة محل خلاف قد ذكرت في طيات الكتب الفقهية.

المصادر :

  • القرآن الكريم.
  • القاموس المحيط / الفيروز آبادي ج4ص334.
  • مجمع البحرين/ الطريحي ج1ص184.
  • مصباح الفقاهة:السيد الخوئي/ج1ص415.
  • الأمثل /مكارم الشيرازي /ج2ص5.
  • التبيان /الشيخ الطوسي/ج2ص138.
  • معجم مقاييس اللغة أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا /ج3ص142.
  • بحار الأنوار/العلامة المجلسي /ج101ص274.
  • السيد محمد الحسيني الميلاني من موقع الأنترنت www.AL-milani.com
  • العروة الوثقى/السيد اليزدي/ج6ص447.
  • جواهر الكلام /النجفي/ج22ص149.
  • جامع المدارك /المحقق الخوانساري/ج6ص19.

 بقلم سوسن دادرس _ العراق

 

شاهد أيضاً

255144

التعارف على الأنترنت

هل يجوز إجراء عقد النكاح كتابةً عبر الانترنت؟ آية الله العظمى الإمام الخميني “ره”: لابدّ …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *