الرئيسية / الرئيسية / الارتباط العاطفيّ بالمعصومين”ع”
300px-حرم_امام_رضا

الارتباط العاطفيّ بالمعصومين”ع”

(الحلقة الأولى)

يُعد الارتباط بالمعصومين”ع” من المواضيع المهّمة التي تعني كل فرد مسلم يعتقد بوجوب متابعة المعصوم، بل لا نجانب الصواب إن قلنا إن الله تعالى قد عجن طينة الإنسان بحب متابعة الطاهرين من كل دنس ورين، فحيثما وجد هكذا إنسان وجدت أن السجيّة الإنسانية النقية تنقاد له وتخضع لحكمه راغبة غير مُكرهة. نعم، من سفه نفسه وركب الجهل الأعمى والتعصّب الأسود انحرف عن هذه الفطرة المخمّرة في جبلّة الخلق وهرول وراء نزواته وأهواءه واتخذ الشيطان ولياً فهو وليه في الدارين.

وانطلاقاً من قول الرسول”ص” في حديث الثقلين الشريف: “يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض[1]، يجب على المسلم التمسّك بالقرآن وبأهل البيت”ع” الذين طهّرهم الله من الرجس وعصمهم من الزلل.

وفي مورد البحث حول المعصومين: كيف يتسنّى لنا التمسّك بالمعصومين؟

أو قل: كيف يتسنَّى لنا بناء العلاقة المعرفية والمعنوية مع المعصومين”ع”، والتواصل الرسالي معهم؟

هذا ما نحاول أن نجيب عنه، من خلال استعراض سبل التمسّك بهم في أهم أبعاده المعرفية والمعنوية، وسبل بناء العلاقة مع المعصومين”ع” وآثارها، وبيان الآفات والعوائق الّتي تعترض طريقها. وبأُسلوب شيّق ينتفع منه الجميع.

ولابد هنا من التنويه إلى أن هذه المقالات مستلة من كتاب (الارتباط بالمعصومين) للأستاذ علي باقر شيخاني، ارتأينا إخراجها بهذا الشكل لتعم بها الفائدة.

*****

إنّ أوّل أنواع الارتباط والعلاقة بالمعصومين”ع” الذي نريد أن نتكلّم عنه هنا هو الارتباط العاطفيّ؛ ولذلك علينا أن نوضّح أوّلًا – بشكلٍ مختصرٍ – هذا النوع من الارتباط، وبعدها نستعرض ضرورة الارتباط العاطفيّ، وآثاره وفوائده، وموانعه ومعوقاته.

١. معنى الارتباط العاطفيّ

يُقصد بالارتباط العاطفيّ: الحبّ والمودّة، ذلك الحبّ وتلك المودّة اللذين أكّدت عليهما آيات القرآن الكريم، وروايات أهل البيت”ع”، وفي ذلك أوحى الله تعالى إلى النبي الخاتم”ص” أن يقول للناس: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[2].

وقد روي عن ابن عباس أنه قال: حينما نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله.. من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال”ص”: “عليٌّ وفاطمة وابناهما”[3].

وقال رسول الله”ص”:أوّل ما يسأل عنه العبد [يوم القيامة] حبّنا أهل البيت[4].

وقال أيضاً:لا يؤمن عبدٌ حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، و[أهلي] أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته”[5].

٢. ضرورة الارتباط العاطفيّ

من أجل فهم ضرورة هذا النوع من الارتباط، لا بدّ من الالتفات إلى مقدّمتين:

المقدّمة الأولى: إنّ من سجيّة الإنسان وفطرته عشق الكمال وحبّه، وكذلك حبّ أصحاب الكمال والجمال؛ ولذا فما من أحد يملك الأحاسيس الإنسانيّة وهو لا يتوق لرؤية الأشياء الجميلة ولا يميل لذلك في باطنه؛ ولهذا ترى أنّ أصحاب الفنون والحرف المختلفة يسعون دائماً لجذب الزبائن عن طريق عرض سلعهم بأشكالٍ وقوالب جميلةٍ وجذّابةٍ.

ولا بدّ من الالتفات إلى أن الجمال والكمال اللذين يجذبان الإنسان لا ينحصران بالأمور المادّيّة فحسب، بل يمكن أن يُرى من الإنسان انجذابٌ للجمال والكمال بحسب إدراكه، وفي ذلك مراتب مختلفةٌ أعلاها وأكملها هو الإدراك العقلي له (الذي يفوق الإدراك الحسّي والخيالي)، وهذا النوع من الإدراك يعبّر عنه في الاصطلاح بالحسن والقبح العقليّ، بمعنى أن الإنسان ومهما كان دينه وقوميّته وثقافته، لا يمكن له أن يكون منكراً لجمال حسن الخلق، وأداء الأمانة، والصدق، والوفاء بالعهد و…، كذلك لا يمكنه أن ينكر قبح الخلق السيّئ، والكذب، والخيانة، وعدم الوفاء بالعهد.

ولا يمكن إدراك هذا النوع من الحسن والقبح بالحواسّ الخمس أو بالخيال، بل إن ذلك هو عمل العقل؛ ولذلك فإن الناس يقبلون الأعمال من النوع الأوّل – الحسن – ويعتبرونها جميلةً، ويمدحون صاحبها، وفي قبال ذلك يعدّون الأخلاق من النوع الثاني أعمالاً قبيحةً، ويلومون صاحبها.

المقدّمة الثانية: إنّ أنبياء الله والأئمّة المعصومين”ع” بوصفهم أناساً كاملين كانوا يملكون من كلّ أنواع الكمال أكمله؛ ولهذا فإنّ كلّ عاقلٍ يحمد مقامهم وشخصيّتهم”ع”؛ لأنّهم مبرّؤون من كلّ عيبٍ ونقصٍ أخلاقيٍّ، بل إنّهم مبرّؤون حتّى من العيوب الظاهريّة الّتي تجعل الناس يبتعدون عنهم[6].

وبالالتفات إلى المقدّمتين السالفتين يكون الارتباط بالمعصومين”ع” من الضروريّات؛ لأنّهم أصحاب الجمال والحسن الكاملين، وأنّ الإنسان – وبشكلٍ ذاتيٍّ وفطريٍّ – يألف مثل تلك الصفات ويحبّها؛ ولذلك فإنّ الّذي يتعرّف على أولئك العظام سوف يعشقهم ويحبّهم، وسيكون لهذا العشق والحبّ الأثر الكبير في هداية الناس إلى طريق الكمال والسعادة.

يقول الأستاذ الشهيد مطهّري (رحمه الله): “قد اقترح لإصلاح وتهذيب النفس طرائق مختلفةٌ، ووجدت مشارب مختلفةٌ لذلك…, وما تعطيه التجربة أنّه بقدر صحبة المحسنين فإنّ محبّتهم ومودّتهم تكون مؤثّرةً في الروح، بينما نرى أنّ قراءة مئات الكتب الأخلاقيّة لا تؤثّر ذلك الأثر”[7].

۳. طرق إيجاد العلاقة العاطفيّة وتقويتها

للعلاقة العاطفيّة بالمعصومين”ع” طرقٌ متعدّدةٌ[8].

أ. معرفة المعصومين “ع”

إن أحد طرق تقوية العلاقة العاطفيّة بالأئمّة الأطهار”ع”، هو التعرّف على شخصيّتهم وسيرتهم، ومن دون هكذا معرفةٍ، لا يمكن أن يتحقق العشق والمحبّة؛ وإذا تكلّمنا عن عشق المعصومين ومحبّتهم فإنّ مقصودنا هو العشق المصاحب للمعرفة؛ لأنّ هذا النوع من العلاقة أبديٌّ ويؤثّر على كلّ وجود العاشق، وإلّا فإنّ المحبّة الّتي تكون بدون أثرٍ لا فائدة فيها، حيث إن الخضوع والطاعة القلبيّة والخالصة والصادقة، الملازمة للمحبّة والعشق الحقيقي، متولّدةٌ عن العرفان الكامل، والعرفان الكامل، نتيجة الفكر الصحيح، والفكر الصحيح وليد العقل السليم الخالي من العوارض.

ب. التسمّي بأسماء المعصومين”ع”

كلّما كان الشخص ذا علاقةٍ حميمةٍ بآخر فسيجري اسمه على لسانه لأقل مناسبة؛ لأنّ العاشق يلتذّ باسم المعشوق؛ ولذلك يسمّي الناس الأماكن والمراكز المهمّة بأسماء الشخصيّات المحبوبة أو المهمّة؛ حتى يبقى اسم تلك الشخصيّة وذكرها خالداً؛ ولذا فإنّ إحدى طرق إظهار العلاقة بالأئمّة المعصومين”ع” هو أن يسمّى الأبناء بأسماء أولئك الأطهار “ع” وألقابهم.

وقد قال النبيّ الأكرم “ص”: “سمّوا أولادكم بأسماء الأنبياء”[9].

وفي روايةٍ يقول ربعيّ بن عبد الله قال: قيل لأبي عبد الله “ع”: جعلت فداك.. إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟ فقال: “إي والله.. وهل الدين إلّا الحبّ؟! قال الله تعالى: {إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوْنِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[10][11].

وكان الإمام الحسين”ع” يحبّ أباه أمير المؤمنين”ع” كثيراً؛ حتّى سمّى جميع أولاده باسم (عليٍّ).

وفي ذلك قال الإمام السجّاد”ع”: “لما استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة أتيته فقال: ما اسمك؟ فقلت: عليّ بن الحسين فقال: ما اسم أخيك، فقلت: عليٌّ قال: عليٌّ وعليٌّ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحدًا من ولده إلّا سمّاه عليًّا؟! ثم فرض لي فرجعت إلى أبي فأخبرته، فقال ويلي على ابن الزرقاء دبّاغة الأدم! لو ولد لي مئةٌ لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلّا عليّاً”[12].

ج. الإهداء لهم”ع”

وهو طريقٌ آخر من طرق إظهار العاشق لعلاقته بالمعشوق، وأفضل هديّةٍ لأنبياء الله – وخصوصاً آخرهم”ص” – ولآل البيت الطاهرين هو إهداء الصلوات لهم”ع” والسلام عليهم، قال النبيّ الأكرم”ص”: صلّوا عليّ حيثما كنتم، فإنّ صلاتكم تبلغني[13].

د. الولاء لأوليائهم”ع” ومعاداة أعدائهم

قال الإمام الصادق “ع” في هذا المورد: “من تولّى محبّنا فقد أحبّنا”[14].

وقال أمير المؤمنين “ع”: “لا يجتمع حبّنا وحبّ عدوّنا في جوف إنسانٍ، إنّ الله لم يجعل لرجلٍ من قلبين في جوفه فيحبّ هذا ويبغض هذا، فأمّا محبّنا فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه، فمن أراد أن يعلم حبّنا فليمتحن قلبه، فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوّنا فليس منّا ولسنا منه…”[15].

ولذلك نحن نقرأ في زيارتهم”ع”: “[أنا] موالٍ لكم ولأوليائكم، مبغضٌ لأعدائكم ومعادٍ لهم، سلمٌ لمن سالمكم، وحربٌ لمن حاربكم”[16].

هـ . الفرح لفرحهم والحزن لحزنهم”ع”

إنّ من أهمّ علامات المحبّة هو ذوبان المحبّ في محبوبه، والعاشق الواقعيّ هو الّذي يتألّم متى ما رأى معشوقه في محنةٍ، فإن أصاب يد المحبوب شيءٌ فكأنّما أصيب عين المحبّ، وكذا إن رآه فرحاً فرح لفرحه.

يصف الإمام الصادق “ع” حال الشيعيّ الواقعيّ، فيقول: “شيعتنا جزءٌ منّا خلقوا من فاضل طينتنا، يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا”[17].

ترجمة وإعداد محمد الربيعي _ العراق

[1] بصائر الدرجات، ص 433، ح 3.

[2]. الشورى: 23.

[3]. جار الله الزمخشريّ، تفسير الكشّاف، ج 4، ص 220؛ الفخر الرازيّ، تفسير مفاتيح الغيب، ج 27، ص 168.

[4]. بحار الأنوار، ج 7، ص 260.

[5]. محمّدٌ الري شهري، أهل البيت في الكتاب والسنّة، ص ٤۰7.

[6]. سلامة المعصومين من العيوب الظاهريّة جزءٌ من اعتقادات الشيعة، للاطّلاع أكثر راجع: جعفرٌ السبحانيّ، الإلهيّات، ج 2، ص ۹٧.

[7]. عليٌّ بين قوّتيه الجاذبة والدافعة، ص ٦۹ – ٧٢.

[8]. بعض هذه الطرق تساعد على أصل إيجاد العلاقة وبعضها تساعد في تقوية ذلك.

[9]. بحار الأنوار، ج ١۰1، ص ۹٢.

[10]. آل عمران: 31.

[11]. بحار الأنوار، ج ١۰1، ص130.

[12]. الكافي، ج ٦، ص ١۹، ح ٧.

[13]. تفسير كشف الأسرار، ج ۸، ص ۸٥.

[14]. بحار الأنوار، ج ١۰۰، ص ١٢٤.

[15]. محمد الري شهري، أهل البيت في الكتاب والسنّة، ص ٤23.

[16]. مفاتيح الجنان، الزيارة الجامعة الكبيرة.

[17]. بحار الأنوار، ج ٦۸، ص ٢٤.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …