في الحادي والعشرين من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وتسع وعشرين للهجرة, فتحت “تُقى الجشي” عينها تحت سماء القطيف..
ولأن سرعتها في طي السبيل إلى النور فاقت سرعة النور, كانت قيمته بأن تعود إلى عالم الملكوت بقلبها الملائكي وعمرها الزهري.. فأراحتها السماء من عمر طويل بدار بالبلاء محفوفة.. ورفعت عنها عبأ قولٍ كانت ستقوله لو أنها بقيت: “متى نستريح من هذه الدنيا”..
طفلة ارتوت من معين الولاية الصافي وعشقت الحسين”ع” فاختزلت الزمان كرقية.. وتخطت القوانين التي تحكم سواها.. فهل سمعتم بعشق بلا ثمن؟!!…
أجل.. ها هي “تُقى” تتجلبب بعبائتها الصغيرة لتجيب نداء ألا هل من ناصر ينصرني.. وهي تنصت له بأذن الفطرة..
ألتمسكم عذراً..
فقد بدأت القصة من النهاية.. لأنها في الحقيقة هي البداية.. إنها قصة “تقى” الطفلة التي عُجنت خميرة فطرتها بحب بارئها.. فكان القرآن آخر ما تسمعه قبل أن يغفو جفنها الصغير..
وعشقت أكمل من في الوجود.. أحمد| الطيبين.. فراحت تجول في مجالس ذكرهم دون كلل..
لا تقولوا لي إنها طفلة كانت تحاكي أهلها محض محاكاة ككل الأطفال.. فالطفل البريء قد يحاكي لكنه لا يجيد التصنع.. لقد حجّت.. وقرأت القرآن.. وخدمت في العزاء.. وعاشت مع من حولها على اختلاف أعمارهم صداقة عجيبة….
فكانت الملائكة تناديها هيا يا “تُقى”.. لقد حان وقت العروج.. فلقد طويت في الأيام والشهور ما لم يطوه غيرك في سنين طوال.. هيا يا “تقى” أما تريدين شراء حلوى وداع الأحبة ولقاء الحبيب الحقيقي…
هيا يا “تُقى”.. رددي آية أنت على وشك أن تكوني مصداقها {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}[1] فصار كل من في الحافلة يردد معها بعفوية..
قلبها الذي شاقه الوجد نحو وطنه الرباني دفعها إلى تغيير مكانها… إذ كان في هذه الأثناء بانتظارها وحش كاسر يشبه الصورة التي نسجتها في خيالها عن “حرملة” في قصة لم تملّ منها.. كان اسم بطلها “عبد الله الرضيع”..
نعم.. أطلق حرملة آخر رصاصة حقده الأموي نحو قلبها الصغير الذي كانت دماؤه تنادي “لبيك يا حسين”…
فسجلّ أنصار الحسين لم يطو بعد… إلا أنني أكاد أسمع صوتها الملائكي يقول:
سيدتي رقية عذراً إن لم تسوّد سياط الطغاة جسدي الصغير.. فهلا قبلت بقلبي المتناثر؟!…
بقلم صديقة الموسوي_ أفغانستان
[1] . سورة الفجر: 27, 28.