الرئيسية / الرئيسية / ورقةٌ من مذكّراتِ سجينٍ عراقيّ
سجن

ورقةٌ من مذكّراتِ سجينٍ عراقيّ

(الحلقة الثانية)

بعد مرور بضع سنين من رحيل والدي.. وجدت بين أغراضه مذكراته التي دوّنها بعد إطلاق سراحه في سنة 1992م والتي أسماها (دروسٌ من حياتي) وبيّن بأنها: (سردٌ موجز لمعاناة استمرت أربعة عشر عاماً في سجون النظام الصدامي.. وقد حازت على الجائزة الأولى لمسابقة أجرتها جمعية الإمام الكاظم”ع” للسجناء الإسلاميين في العراق).. فاحببتُ أن أجعلها بين يدي القرّاء.. علّها تصف شيئاً يسيراً من معاناة الشعب العراقي.. وها أنا أترككم مع ورقة من مذكرات الشيخ حسن السالم:

مجلسُ عزاءٍ تحتَ السياط

الزمان: محرم 1395هـ ق

المكان: معتقل الفضيلية

في آخر يوم من شهر ذي الحجة من عام 1394 هـ ق, استدعي أحد الأخوة المعتقلين من الإيرانيين يُدعى (ملا عباس) إلى دائرة أمن المعتقل, وكان معروفاً _آنذاك_ أن المعتقل يُستدعى إلى الدائرة إما لتشاجر حدث بينه وبين آخر, وإما لإبلاغ الدائرة عن حدثٍ معين, كما كان يقوم به المنافقون!

وعليه فاستدعاء (ملا عباس) أثار استغراباً وتساؤلاً كبيرين بين أوساطنا خاصة, فهو لم يسبق له أن تشاجر مع أحد, ثم هو ليس من المنافقين, فهو رجل عُرف منه الصلاح والتقوى.. ومما زاد في هذه التساؤلات مقدمه بعد حوالي الساعة وقد ورمت قدماه ويداه من الضرب, مما دفع الكثيرون إلى الاستفسار منه ولكن لم يحصلوا على إجابة… وبقيت الحيرة حتى جاء المساء, وبعد العشاء مباشرةً, وكانت الليلة الأولى من محرم الحرام, وقف (ملا عباس) على دكّة في ساحة المعتقل وراح يتلو تعازٍ حسينية باللغة الفارسية, فيما راح الأخوة الإيرانيون يرددون بعده, بينما تجمهر من في الموقف حولهم, واستمرّ العزاء حوالي الساعة كانت تتخللها عبارات التهديد والوعيد من قبل حرس النظام في أعلى الساحة حيث كان يُمنع عليهم الدخول إلى الموقف ليلاً.

وعند صباح اليوم التالي_ وكان يوماً شديد الحرارة_ حيث أن أرض المعتقل قد رُصفت بالقير, دخلت ثلة من جلاوزة النظام واستدعت (ملا عباس) فأخلعوا ثيابه إلا ما ستر العورتين, ثم طرحوه أرضاً وانهالوا عليه ضرباً وركلاً وهدّدوه بالقتل إن هو عاد إلى فعلة البارحة.

وعندها علمنا من كلامهم, أنهم قد خبّروه سابقاً في أنه يحرص على إقامة مجالس العزاء عند مقدم شهر محرم الحرام ولذلك استدعوه يوم أمس لتهديده وضربه بغية منعه من ذلك.

وجاء المساء.. وكنا نحسب أن الأمر قد انتهى, وأن (ملا عباس) أصبح معذوراً عن إقامة مجلس العزاء, وإذا بـ(ملا عباس) وحوله جمعٌ أكبر من البارحة من الأخوة الإيرانيين وهو يتلو عليهم قصائد عزاء لإبي عبد الله الحسين”ع” لساعتين من الزمن متحدياً بذلك سلطة النظام وأعوانه, لا لليلةٍ ثانية وإنما لعشر ليالٍ خلت من ذلك الشهر المحرّم!!

يتبع…

زهراء السالم_ العراق

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …