الرئيسية / الرئيسية / الرشد السياسي
الربيع العربي

الرشد السياسي

 أفرز ما يُعرف (بربيع الثورات العربي) حراكاً سياسياً غير مسبوق، سعى الأفراد من خلاله لمزيد من المعرفة بالديمقراطية، والمحافظون إلى مزيد من المصالحة معها، ودخلت معه (الأحزاب) القائمة سباقاً محموماً لملء الفراغ السياسي الحاصل في أعقاب إزاحة الأنظمة السابقة. ولأنّ الشعوب المستضعفة إذا ملكت إرادتها فقدت السيطرة على حركتها؛ فإن ثورتها في وجه من ظلمها، تبدأ، في غياب الموجّهين العقلاء، بموجة عاتية من الغضب وتؤول إلى طوفان عارم من الفوضى؛ وهو ما يدفع بالغيورين لاتخاذ قرارات جدية ومواقف طارئة ربما لم تكن مدرجة في الحسابات السابقة.

ومع ازدياد وتيرة الدفع الجماهيري (للإسلاميين) صوب مراكز اتخاذ القرار، تزداد الحاجة في المقابل، للتسريع من عملية الأسلمة أو التأصيل للأفكار والمناهج، والقوانين والأنظمة التي سيتعاملون معها في مسيرة العمل القادم، وخاصة السياسية منها. ومن هنا جاء حديثنا عن الرّشد السياسي ومکوناته وعناصره الأساسية التي تتناول جملة من الأصول الكبرى التي لا ينبغي تجاوزها في خضم المدافعة الجديدة التي يتطلبها فقه المرحلة.

مفهوم الرشد السياسي1:

الرشد السياسي هو ناتج تفاعل عدّة مكونات في بناء مستوى معرفي نقدي عند الفرد أو الجماعة يأهلهما لتجاوز الأزمات والابتعاد عن أسباب الإخفاق في المجالين الاجتماعي و السياسي.

مكونات الرشد السياسي:

وأما أهم المكونات التي تساهم بشكل مباشر في تشكل ظاهرة الرشد السياسي فهي:

1 . عقل متّزن قادر على التفكير في أسوء الأحوال.

2 . مشاعر وعواطف منضبطة يستطيع صاحبها التحكم فيها وتوجيهها للمسار الصحيح.

3 . سلوك متزن (متشرع) لا يتجاوز الحدود والضوابط في حالتي الحزن والفرح، وفي حالات النصر والهزيمة.

عناصر الرشد السياسي:

وتتمثل العناصر الأساسية للرشد السياسي في:

أ. القائد، ب. الجماهير، ج.الفكرة، د. الآليات.

ونستطيع أن نتلمس هذه العناصر من خلال جملة من الروايات التي وردت على لسان الإمام المعصوم, نقتصر على ذكر ثلاثة منها لدلالتها المباشرة عليها:

أما القائد والقيادة والتي تمثل الرأس من الجسد, فيقول الإمام علي”ع” مخاطبا كميل بن زياد: (يا كميل العلم دين يدان به. به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ها، إن هاهنا لعلم جماً (وأشار إلى صدره) لو أصبت له حملة، بل أصبت لقنا غير مأمول عليه، مستعملا آلة الدين للدنيا، ومستظهر بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقاداً لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللّذة سلس القياد للشهوة، أو مغرما بالجمع أو الادخار ليسا من رعاة الدين في شيء. أقرب شيء شبّه بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. إما ظاهرا مشهورا أو خائفاً مغموراً لئلا تبطل حجج الله وبيّناته. وكم ذا؟ وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلّون عددا والأعظمون قدرا. يحفظ الله بهم حججه وبيّناته حتى يودعوها نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى. أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه آه آه شوقاً إلى رؤيتهم انصرف إذا إن شئت) 2 .

وأما ما يتعلق بالعنصر الثاني ألا وهو الجماهير فيقول”ع” أيضا: (وعليكم بالتواصل والتبادل. وإياكم والتدابر والتقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. يا بني عبد المطلب لألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلا قاتلي أنظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله “ص”يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور) 3 .

وأما ما يرتبط بالفكرة والآلية فيقول أبي عبد الله”ع”: (كان رجل في الزمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، فطلبها حراما فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال: يا هذا قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟ قال: نعم، قال: تبتدع دينا وتدعو إليه الناس، (قال): ففعل، فاستجاب له الناس فأطاعوه وأصاب من الدنيا (قال) ثم إنه فكر وقال: ما صنعت شيئا؟ ابتدعت دينا ودعوت الناس إليه، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأرده عنه (قال) فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول: إن الذي دعوتكم إليه باطل وإنما ابتدعته كذبا، فجعلوا يقولون له: كذبت، هو الحق ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه (قال) فلما رأى ذلك عمد إلى سلسلة فأوتد لها وتدا ثم جعلها في عنقه فقال: لا أحلّها حتى يتوب الله عليّ، (قال) فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان ابن فلان: (وعزتي وجلالي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه)4

أم حيدر – الجزائر

1 ـ السيد كامل الهاشمي ، أصول المحاضرات ، مؤسسة أم القرى للتحقيق و النشر ، ص 177

2 ـ الامام علي بن أبي طالب ، نهج البلاغة ، ج 4 ، ص 36 ـ 38

3 ـ ن ، م ، ج 3 ، ص 77

4 ـ البرقعي ، المحاسن ، ج 1 ، ص 207

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …