الرئيسية / الرئيسية / الشمعة آخر الليل
شمعة

الشمعة آخر الليل

أأبدأ بحرفٍ وأكمل بالثناء على الحياة؟!

أم أبدأ بحرفٍ وأكمل باللوم على غدرها؟!

أيتها الكلماتُ أجيبي, فالقلم لن يكون أسير الخمول والكسل, لِمَ كلما حاولتُ ملء فراغ الأوراق, ينتهي بي المطاف بالحال نفسه, فتبقى بيضاء فارغة من سواد الحبرٍ.. أجيبيني لِمَ أبجدية الدمع والسكوت, والصمت ليس من شيمك.. أصحيحٌ أن الكلمات قد تعجز أحياناً عن التعبير؟!.. إذن…

أين الجرأة والشغف؟

أين الإرادة والأمل؟

أين الحكمة والحق؟

لن أطلب منك سوى وقفة إجلالٍ وإكبار..

لن أطلب منك سوى كلمة شكرٍ وتقدير..

إنه غروب الشمس, ورنين حبّات المطر الحنون, سارعت إلى صومعتي, إلى دواتي وقلمي وأوراقي..

أشعلتُ شمعتي البيضاء..

وبدأتُ البحث بين أوراق الشجر, بين الغيوم والقمر..

فلم أجد سوى اسم.. رسمٌ في ذاكرتي…

عندما عزفتُ على سطوري أعذب النغمات, حاولتُ مراراً أن أترجم أحاسيسي بريشة فنان على صفحات صفراء, فلم أجد غير العجز والخذلان…

معزوفتي اليوم عن شمعةٍ آخر الليل, عن أبجدية العشق الأبدي, عن طينة يمزجها بعرق الجبين..

ما بك أيها القلم, أعجزُ جديدٌ أصابك؟ اسمع.. فاليوم لن أنصاع لك, سأكتب لو أردت بالأحمر القاني..

الأستاذ.. المعلم.. المربي.. القدوة.. الأب..

العطاء.. الوفاء.. الإخلاص.. الجرأة.. الحنان..

أكتب اليوم عنك..

أنا علة من المعلوماتِ الموجودة -هذا فخرٌ- في مسيرة حياتك…

أو جثةُ هامدةُ أمامك, تقف تصلي عليها, فاُحسدُ في العالم الآخر… أو طالبةٌ تركت بصمةً في سجلات المدرسة العتيقة..

سمعت همساً فنظرتُ إلى شمعتي, وإذا بفراشةٍ تحوم حول شعلة النار, فأمعنت النظر, وإذا بالفراشة التي شارفت على الاحتراق, فرِحةً مبتهجةً.. وحوارٌ دائر بينهما:

-الشمعة: انتبهي, احذري, سوف تموتي!!

-الفراشة: أموت وإن!! فأنا أحتاج نوركِ لأسمو, فكرٌ وأيديولوجيا وسلوك, هي الحياة وقوس الصعود.. أرجوكِ لا تتركيني في ظلمة الجهل والفشل, فأموت بين سجلات العابرين بحسرة الألم…

بكت الشمعة طوال الليل على تلميذتها وشارفت على الرحيل, لكن الفراشة ومنهج النور خُلّد بين السطور, لن يختفي حيث نبعٌ لشمعتي تركته وراءها..

أستاذي.. أستاذتي: أنا اليوم ضائعة في متاهات حدودك..

أنا اليوم سجينة في قفص أحلامك..

أعذرني!

أنا اليوم أقف فلا أعلم من النحو والصرف والبلاغة والأدب شيئاً..

أنا اليوم عاجزةٌ أمامك حتى عن ربط العبارات, لا أدري من أين أبدأ:

من علمك؟.. أو حضورك؟.. أو إيمانك.. أو همتك؟!..

أم من جهلي؟.. أو جرأتي؟.. أو جنوني.. أو غفلتي؟!..

لكنني ألتمس أن تدلّني!..

كيف استطعت ان تكون مُلهمي؟؟

كيف حُفرت في قلبي معالمك؟؟

كيف كنت لي الحاضر والماضي وما أنا مقبلة عليه؟..

كيف أشعلت حروفك جذوة الشوق والرجاء؟..

كيف رسمت لي من ضياء عينك سبيلاً للعبور؟!

كيف ألقيتَ إليّ من عليائك وشاح السكينة والصفاء؟!

كيف فتحتَ لي علم الكتاب وباباً من علم لم يُكتب؟!

كيف أنا اليوم يستحيل عليّ عزف لحن من دفاتر العمر؟!

ومع هذا أعاهدك:

أما وأني لطالما فررت منك صغيراً.. وعصيتك كثيراً.. وكرهتُ حقاً أن تكون عليَّ أميراً..

أعود و أقرع بابك.. بخجلٍ.. بوجلٍ.. بكثير من وفاء..

أقف على أعتاب قدسك.. ألتمس.. مدّ لي يدك.. فلعلك تقبلني..

فأكون تلميذةً..

وتكون أنت.. أنت أستاذي..

فلا تخليني لرياح التغيير في أزقة العمر…

 بقلم مدى حسن زيعور – لبنان

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …