الرئيسية / الرئيسية / فلسفةُ الصوم
do.php

فلسفةُ الصوم

سوف نتعرض في هذه الأسطر للمحاور التالية:

  1. شهر رمضان, شهر التحرّر والانفكاك من القيود.
  2. شهر رمضان, شهر لقاء الله ومحبته والصوم رمز الأولياء.
  3. تعزيز أسس الدين من خلال خطبة شهر رمضان.
  4. شهر السيطرة على شيطان.

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: { فَادْخُلي‏ في‏ عِبادي* وَ ادْخُلي‏ جَنَّتي}[1]‏ ما المقصود في هذه الآية الكريمة بالجنة الخاصة والمنسوبة إلى الله تعالى جل ذكره؟ وما الفرق بينها وبين {جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار}؟

إن المتفحّص لهذه الآية والمدقّق فيها يرى أن جنة الله تعالى تختلف عن الجنة المادية, والتي يدركها جُلّ الناس ومعظمهم, وهي التي تكون بعد الموت والحساب والجزاء في يوم القيامة.

إذن فجنة الله للخواص منهم, حيث تكون الدنيا في نظرهم جنة لأنهم متلذذون بالعبادة وينهلون من الفيوضات الإلهية والرحمانية ماطاب لهم, ويسعون إلى النعيم, فبوصلهم واتصالهم بالله تكون لهم الجنة, لكن كيف يتم لهم الحصول على الجنة الأخرى؟

نرى أن مفاتيح هذه الجنة كثيرة ومتعددة ومن ضمنها الصوم.. ونحن الآن في ضيافة الله في هذا الشهر الفضيل. إذن علينا أن ننعم بهذه الجنة الخاصة التي اختص بها عباده الكرام وذلك باتباع هذه الأهداف:

علينا أن نتحرر من ذنوبنا ومن غفلتنا التي قيّدتنا وأبعدتنا عن دار وصاله تعالى, ولذا نرى في مناجاة أمير المؤمنين”ع”:باعدتني ذنوبي عن دار الوصال[2].

فالشهوة والمثول تحت سيطرتها من الموانع التي تمنعنا عن الوصول إليه تعالى, إذ الأكل والشرب وإن كان حلالاً, فالإكثار منهما أمر غير محبذ, فالبطنة ما هي إلا حائل عن القرب.

فما حال بقية الذنوب من الكذب والغيبة وهتك الحرمات؟!….

فعلينا إذن حفظ اللسان من الكلام الباطل واللغو وكذلك حفظ الخيال… ومجاهدة أنفسنا لنتحرر من ذنوبنا وما حال بيننا وبينه تعالى, ولنتخذ من الصوم سلّماً وعوناً لنا لتكون الساحة فقط لله تعالى. وما هدفنا من الصوم سوى القرب والوصول إلى الله عز وجل ولقائه.

فالجنة التي نتحدث عنها هي الجنة المعنوية, فعندما يكون الصيام خالصاً لوجه الله تعالى لا يشوبه شيء من غل وحقد ورياء {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّه‏}[3] لأنه {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}[4]. فعلى الإنسان أن لا يقنع بغير لقاء الله, إذ باطن الصوم هو الوصول إلى الله فلا تكون همة العبد غير هذه الهمة. والأجساد وإن كلّت وتعبت فجزاؤها لقاء الله ومحبته ونيل رضاه. ولذا نرى أن سلمان الفارسي ولقمان الحكيم كان ديدنهم الصوم فوصلوا إلى ماوصلوا إليه من المراتب العليا دنيا وآخرة.

كما نجد أن القيم الإسلامية تعزّز في شهر رمضان المبارك, فنجد مثلاً في خطبة النبي الأكرم”ص”: وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم, فذكر الأيتام والتحنن عليهم والرأفة بهم يعزّز من الترابط واللحمة بين المسلمين, إذ يشفق الأخ على أخيه ويزيد بذلك التواصل والترابط… كما نجد الصدقة والإطعام للفقير لها التأكيد الكبير في هذا الشهر, ولذا نطلب من الله عز وجل في الأدعية المعروفة: اللهم ارزقني فيه رحمة الأيتام, وإطعام الطعام, وإفشاء السلام وصحبة الكرام بطولك يا ملجأ الآملين, وهذه كلها قيم ومبادئ حثّ الإسلام عليها, ليس فقط في شهر رمضان المبارك فحسب, بل في كل الأيام والشهور, ولكن أكّد ذكرها هنا, لأن النفس الإنسانية لها قابلية واستعداد على قبول الحق واستيعابه وتطبيقه والعمل به.

كذلك أمرنا أن نصل الأرحام, ونحفظ ألسنتنا, ولا يقتصر حفظ اللسان طيلة شهر رمضان فقط, بل لابد من الاستمرار, واستبدال الشتم واللعن بذكر الله والاستغفار حتى تكون هناك ملكة للإنسان بعد ذلك وتصبح عادة فيتعود لسانه قول الحق والصدق ويبتعد عن اللغو والباطل.

كذلك نرى “إن في شهر رمضان تكون الشاطين مغلولة, فاسألوا الله أن لا يسلطها عليكم” إذ سلطة الشيطان علينا تكون بالوسوسة والخواطر النفسانية التي تجعل قوانا بيد الشيطان, لكننا وبمجاهدة أنفسنا والتغلّب على هذه الوساوس وتحديها ومواجهتها نكون قد تغلبنا على الشيطان, خاصة وإن شهر رمضان يكون ناصراً ومعيناً لنا على الشيطان ويكون مصاحباً لنا مسهلاً علينا سبل الإحسان, فما يكون صعباً وعسيراً في بقية الشهور يكون سهلاً ويسيراً فيه.

وبما أننا الآن عرفنا وتعرضنا لفلسفة الصوم والحكمة فيه و عرفنا الهدف الحقيقي من ذلك, وجب علينا أن نضيف للجانب التعبدي من هذه العبادة الجانب الفلسفي أيضاً.. فلانخرج من هذا الشهر الفضيل حافي الوفاض من هذه الفيوضات الرحمانية والتجليات الربانية والقرب والوصول إليه سبحانه…

وعلينا أن نباشر في ذلك في أنفسنا أولاً, والعمل على إصلاحها وتزكيتها, وإلا فلا تكون نتيجة العمل سوى الجوع والعطش أو التعب من كثرة الصلاة والقيام… فالمهم هنا هو عمل الواجبات بإخلاص وترك المحرمات هذا ما فرضه الله علينا… ولا ضرر من عمل المستحبات والنوافل, لكن هناك سؤال, هل إن عمل الواجبات بإخلاص يكون سهلاً ويسيراً.. هل إن البعد عن المعصية وترك المحرم مثل الغيبة والنميمة والكذب والافتراء سهلاً!!؟..

هل إن صلاة ركعتين في جوف الليل وبنية خالصة, لا أنوي فيها زيادة رزق أو مال, لا أنوي فيها شيئاً مادياً ودنيوياً سهلاً وبسيطاً لهذه الدرجة؟! كلا…

إنه ليس بالأمر السهل, لذا وجب علينا مراقبة أنفسنا والسير إلى الله.. كذلك علينا تعزيز هذه الأسس في أبنائنا وترييهم تربية صالحة.. نفتح لهم صدورنا قبل جيوبنا, نسمع لهم ونتحدث لهم.. نشعرهم بالقرب وأنهم هم محور الاهتمام, بعدها لا نخشى عليهم إن ذهبوا للخارج واغتربوا للدراسة مادام هناك التحصين من الأساس..

فبالأساس والبنية الصحيحة والسليمة لا نخشى عليهم, بل بالعكس فإنهم سوف يعودون لأحضان والديهم ووطنهم ليبنوا فيه ويطوروا من وضعه ويصلحوا من مجتمعهم, فيكونوا ثمرة طيبة صالحة تؤتي أكلها كل حين…

 فاطمة بوحسون – الحجاز

[1] . سورة الفجر, الآية 29 و30.

[2] . بحار الأنوار, ج84, ص340.

[3] . سورة الدهر, الآية 9.

[4] . سورة البقرة, الآية 115.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …