الرئيسية / الرئيسية / أسرة / نظام الأسرة وتكوينها في القرآن الكريم
How-to-maintain-a-strong-relationship-with-family

نظام الأسرة وتكوينها في القرآن الكريم

(القسم الثاني)

بعد أن تعرفنا في المقال السابق على دور الأسرة في التكوين الاجتماعي, ومبادئ وأهداف تكوينها في الإسلام, نكمل البحث معكم في هذه السطور.

إن التعرّف على الحقوق والواجبات ضرورة لا مناص منها لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي في الحياة.

عناصر العائلة وطبيعة العلاقات بين أعضائها

تتكون العائلة بادئ ذي بدء من رجل وامرأة يلتقيان بالشكل المشروع فيكونان زوجين، كلّ منهما يكمل النصف الآخر لصاحبه، وبذلك يصبح لكلّ منهما حقوق وواجبات بعد تكوّن هذه العلاقة وإنشائها بشكل مشروع. ثمّ تتكامل هذه العائلة البسيطة المكوّنة من عضوين وترتقي بالإنجاب إلى استضافة عنصر ثالث أو أكثر فتصبح العلاقة الزوجية ذات طرف جديد ينتسب إليهما بالبنوّة. وحينما يتعدّد الأولاد تستحدث بينهم رابطة الأخوة أيضاً بالإضافة إلى ما سبق من علاقات بين الأعضاء.

وفي كلتا المرحلتين (مرحلة الإنشاء ومرحلة التطوير) لابدّ لهذه المؤسسة من إدارة تقوم على أساس من رعاية الحقوق وأداء الواجبات تحقيقاً للأهداف المنشودة في أصل تكوين هذه المؤسسة الاجتماعية حسب الرؤية الاسلامية للحياة ودور الإنسان في هذه الحياة الدنيا.

الخطوط العريضة لنظام الأسرة في التكوين الاجتماعي الإسلامي

إن كلّ الأحكام والقوانين الّتي وردت في سور قرآنية شتى[1] وتشكّل مجموعة من القوانين الشاملة للنظام الأسري أو العائلي في الإسلام بالإمكان أن نصنّفها في محاور ثلاثة.

          1 . محور تكوين الأُسرة.

          2 . محور ادارة الأُسرة.

          3 . محور انحلال الأُسرة.

ولكلّ محور متطلباته الخاصة به من أجل تحقيق الأهداف التي مرّ ذكرها والوصول إلى النظام الاجتماعي النموذجي الذي جاء به الإسلام. وإن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين”ع” تتضمن الحقوق والواجبات المتبادلة بين أعضاء الأسرة، وبين كل فرد مع سائر عناصر المجتمع بعد أن تبين العلاقة بينه وبين ربه من جهة وبينه وبين نفسه من جهة أخرى. وبهذا تجسّد الخطوط العريضة للنظام العائلي، كما أنّها تمثل المنطلقات العامة لتفاصيل الأحكام التي تنتظم بها هذه المؤسسة الاجتماعية المهمة.

ويمكن أن نقول: إنّها تمثل الرصيد الحقيقي للقوانين التفصيلية التي قرّرتها الشريعة، فهي المضمون العميق الّذي ترجمته القوانين بشكل حدود نهائية يقوم على أساسها القضاء وتجرى لأجلها العقوبات التي تتطلّب تحديداً دقيقاً للأمور، وعلى أساسه يمكن أن تستوفى الحقوق التي تتعرّض للإهدار والتضييع.

قال”ع” بعد ذكره لحق اللّه الّذي هو أكبر الحقوق ومنه تتفرّع سائر الحقوق مثل حق الجوارح وحق الأفعال التي تمثّل الحقوق ذات العلاقة بالإنسان الفرد والإنسان مع نفسه وربّه:

«ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حقوق أئمتك ثمّ حقوق رعيتك ثمّ حقوق رحمك». وما يرتبط بالعائلة والعناصر المكوّنة لها: هي حقوق الزوجية وحقوق الاُم والأب والأولاد والأخوة والأخوات. وهناك عناوين أخرى تنطبق على كلّ من الزوج والزوجة سوى حقوق الزوجية، مثل حقّ الشريك، وحق الخليط، وحق الصاحب وحق الجليس وحقّ الغريم وحقّ المستشير والمشير وحق المستنصح والناصح وحقّ من هو أكبر أو أصغر من الإنسان، وحقّ المسيء وحقّ المحسن وحق ذي المعروف وحقّ أهل الملّة، فإنّها إذا اجتمعت استطاعت أن تصوّر كلّ الحالات التي تمرّ بها العائلة وتصوّر العلاقات القائمة فيما بين أعضائها.

ولا ننسى الآداب التي جعلتها الشريعة تحفّ بالواجبات والمحرّمات في كلّ حقل فإنّها تكمل لنا الصورة النموذجية للنظام الإسلامي بالرغم من عدم وجود إلزام بها لكنّها تبيّن لنا اتجاه التشريع والنظام الإسلامي في كلّ حقل أو بالأحرى إنّها تعتبر النموذج الأرقى الّذي تصبوا إليه الشريعة الخالدة وخير مصداق لذلك أدعية الإمام زين العابدين”ع” التي ترتبط بالوالدين والأولاد ومن يلوذ بالإنسان التي جاءت على لسانه في الصحيفة السجّادية.

أهم التحديات التی تواجهها الأسرة المسلمة في العصر الراهن

استطاع القرآن الکريم ببرکة تشريعه المتکامل للأسرة أن يبني للإنسان المسلم کياناً اجتماعياً راسخاً وقوياً يستمد عناصر قوته من معين الفطرة و من معين القيم الرسالية الرفيعة.

ورغم کل التحديات التي واجهتها الأسرة المسلمة علی مدی قرون مرّت ولاسيما القرن الحاضر الذي تمزقت فيه الأسرة الأوربية وسعی الاستعمار الأوروبي فيه بکل جد لتمزيق وهدم هذا الحصن الاجتماعي المنيع أمام مخططات الغزو الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي طال العالم الإسلامي؛ فإننا نجد بقاء جملة من التحصينات التي تمتلکها الأسرة المسلمة رغم الاختراق الثقافي والحضاري الذي ابتلي به العالم الإسلامي، وهذا يدل علی حکمة التشريع الإسلامي وانطوائه علی عناصر القوة الکامنة في تشريعاته وآدابها وثقافته التي سلح بها أبناء المجتمع الاسلامي ليحتفظ بهويته قدر الإمکان رغم الظروف المعاکسة.

إن شعار تحرير المرأة من نير الاستعمار المزعوم الذي يتخيل أنه نتيجة إعطاء القيمومة للرجل علی المرأة في الحياة الأسرية، وجرّ المرأة من موقعها الرفيع کأم تلتزم بالمسؤولية التربوية داخل الأسرة إلی الشارع العام لتکون ألعوبة بيد الأهواء تقودها النزوات الحيوانية للذين يريدون طمس القيم الاخلاقية ممن يتزعمون حرکات التحرر النسوية ويشرفون علی الإعلام الخليع الذي يخدم الأهداف الاستعمارية، يهدد المرأة أولا و ينحدر بها من علياء کرامتها کإنسان کرمه الله تعالی بالعفاف والتقوی والإنسانية الرفيعة، کما يهدد الأسر المسلمة في الشرق والغرب ثانياً وهو بالتالي تهديد أکيد للمجتمع الإسلامي ثالثاً.

وتزداد المشکلة الاجتماعية تعقيداً حينما يتفنن الآباء والأمهات للخطبة لأولادهم وبناتهم مقدمة لتکوين الأسرة وينزلقون في فرض القيود التعجيزية التي ما أنزل الله بها من سلطان علی من يتقدم للخطبة وتکوين الأسرة، ويرتفع معدل العمر للزواج حتی تفوت الفرص المناسبة علی الذکور والإناث وبذلك تقل الرغبة في تحمل أعباء مؤسسة الأسرة وقد يکتفي کل منهما بما يکتسبه من صداقات وأصدقاء أو صديقات قد تعوض العطش العاطفي بشکل غير صحيح وقد تجرّ الشباب إلی انواع من الانحراف الذي يترك آثاره السلبية علی کل فصائل المجتمع ويهدد نظام الأسرة بالانهيار من الداخل إلی جانب العوامل التي تهدد الأسرة بالانهيار من الخارج.

وثقل تکاليف الحياة المعيشية مع رغبة الزوجين في حياة رغيدة أو اتجاه المرأة إلی الاستقلال في کسب الموارد المالية التي تعطيها حرية أکبر في التصرف الی أن تتجه للعمل خارج البيت والحصول علی وظيفة إدارية تسلبها الکثير من الراحة وتعرضها لأخطار العمل خارج المنزل وبذلك تتعرض عناصر الأسرة للانهيار بشکل غير مباشر. وتأتي التشريعات الغربية الأخری لاختراق النظام الأسري حين تکون أجنبية عن روح التشريع الإسلامي والبيئة الإسلامية لتشکل تهديداً وخطراً جديداً يحاول المستعمرون من خلاله الوصول إلی أهدافهم الاستعمارية الدنيئة.

ومن هنا کان استقراء التحديات ودراستها بشکل علمي وتخصصي والبحث عن حلولها أمراً ضرورياً لا مناص منه.

المنهج العام لمواجهة التحديات الراهنة للأسرة المسلمة

إن أهم عنصر لمواجهة التحديات الراهنة هو العنصر التثقيفي والتربوي المتكافئ مع عمق التحدي وحجمه. والثقافة القرآنية الصحيحة للإنسان المسلم هي الضمانة اللازمة التي نص عليها الکتاب المجيد بقوله تعالی { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى}[2]

   وتأتي النصوص المفسرة من السنة الشريفة لترفد الأسس القرآنية بالتوجيهات اللازمة لإعطاء صورة متکاملة عن المجتمع الإسلامي المطلوب والأسرة النموذجية وطرق صيانتها التي أشار اليها القرآن في قوله تعالی: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً}[3]. کما رسم القرآن الكريم وتكرم على البشرية ببيان تفاصيل النموذج المطلوب للأسرة بقوله تعالی: {وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاما}[4] إلى قوله{وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَ ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْينُ‏ٍ وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[5] فلابد من توفير الوعي الکافي والتربية علی المنهج الإلهي لتتوفر الضمانات اللازمة لصيانة الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي من کل اختراق ثقافي أو اخلاقي أو سياسي أو عسکري أو اجتماعي.

   وتأتي سيرة أهل بيت الرسالة”ع” لتقدّم المعالم الواضحة والنموذج الکامل للأسرة التي أراد القرآن تکوينها وتطويرها لتحقيق أهداف الرسالة الخالدة.

بقلم الأستاذ منذر الحكيم _العراق

[1] . كسورة البقرة: 221_ 242 والنساء: 1 _ 35 وسورة النور والأحزاب والطلاق والتحريم وغيرها.

[2] . سورة البقرة: الآية 120.

[3] . سورة التحريم: الآية 6.

[4] . سورة الفرقان: الآية 63.

[5] . سورة الفرقان: الآية 74.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …