الرئيسية / الرئيسية / منهج أصول التزكية والتعليم الإسلامي
التزكية

منهج أصول التزكية والتعليم الإسلامي

إن الدين الإسلامي في عملية التزكية والتعليم يُقدم المنهج الأفضل لإعداد الأجواء الكافية والمساعدة على رشد الإنسان وسلوكه في مراتب الكمال, بحيث تصبّ جميع الروافد التربوية والتعليمية في هذا المنحى، فتثمر شخصية الإنسان المؤمن المتقي الذي تربّى في مدرسة الإسلام وتخرّج فيها, يحمل شخصية فذّة متوازنة، وعزماً راسخاً ورؤية واضحة، أورثته سلوكاً علمياً محدّد المعالم وتعاملاً صادقاً مع الحياة، يباشر من خلاله كلّ تصرفاته بصدق ونيّة خالصة.

     وسوف نتطرق في البحث حول نظام ومنهج التزكية والتعليم الإسلامي إلى ثلاث مباحث: أهداف التزكية والتعليم الإسلامي، خصائصها، وأصولها:

المبحث الأول: أهداف التزكية والتعليم الإسلامي

كلما كان الهدف المرجو تحقيقه واضحاً ومحدداً كان العمل منتجاً وبعيداً عن العبثية، وللإسلام على الصعيد الفردي والاجتماعي أهداف واضحة يسعى إلى تحقيقها من خلال عملية التعليم والتزكية وهذه الأهداف هي:

۱. إعداد الأرضية المناسبة لتكامل الإنسان في بُعديه المادي والمعنوي، مع التأكيد على التكامل المعنوي الذي فيه حياته الحقيقية؛ والذي هو الهدف الأساسي من خلق الإنسان والغاية التي من أجلها قد دخل الإنسان إلى المجتمع {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}[1].

۲. يهدف الإسلام من وراء تأكيده على عملية التزكية والتعليم إلى بناء شخصية الإنسان وإعداده الإعداد الصالح لينهض برسالته في الحياة. فيسعى إلى تنمية الطاقة الفكرية للمتعلم، ويعطيه الاستقلال، وينمي فيه القدرة على الابتكار، يقول الإمام علي”ع”:”لاَ تَكُوْنَنَّ عبدَ غيرَك فَقد جعلك الله سُبحانهُ حَرّاً”[2].

۳.  تأهيل الإنسان ليكون مديراً لنفسه وشؤونه، ومسيطراً على نزواته وأهوائه النفسانية، ومبعداً عن نفسه كلّ ما هو غير منطقي وغير عقلي، ومنجزاً ما يليق بإنسانيته، وقال الإمام محمد الباقر”ع”: “إنّ المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرّة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرّة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخالفة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف”[3]..

۴. من الأهداف التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها, هي نشر الحرية وإشاعة الفضائل الأخلاقية في المجتمع وإقامة القسط والعدل، والقضاء على الرذائل الأخلاقية والعادات والتقاليد المنحرفة ومواجهة الظلم والفساد، حيث يقول رسول الله”ص” في هذا الخصوص: “إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”[4].

۵. تزويد الإنسان بالروح العلمية، أيّ الروح الباحثة عن الحقيقة كما هي عليه بدون تعصبٍ وجمود. كما جاء في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا}[5].

المبحث الثاني: خصائص أصول التزكية والتعليم الإسلامي

إنّ لنظام التزكية والتعليم في الدين الإسلامي الأصيل خصائص تميّزه عن سائر الأنظمة الوضعية الأخرى، أهمها:

۱. الربانيّة

يمتاز نظام التزكية والتعليم الإسلامي بالربانيّة من جهتين، أوّلاً: من جهة النشأة، أيّ أن الباري تعالى هو الواضع له وليس الإنسان، فالله سبحانه وتعالى هو خالق الوجود والإنسان، والمودع فيه الاستعدادات والرغبات الذاتية، وهو العليم بكل شيء والقادر على كل شيء والحكيم، وبالتالي فهو يعلم باحتياجات مخلوقه، فيضع له من الأنظمة وما يتلاءم مع تلبية احتياجاتِهِ، وتتصف الأنظمة الربانية المصدر بالكمال والقوة لأنّه لا يصدر النقص من الكامل والضعف من القوي.

وقد ذُكرت التزكية والتعليم الإلهي في الكثير من الآيات القرآنية، من ذلك قوله تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ}[6]. كما جاء في الحديث النبوي، قول رسول الله”ص”: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”[7]. كما أنّ الربانيّة تُعطي المنهج والنظام تقديساً، مما يدفع الإنسان المؤمن بالله تعالى إلى تقديس ذلك المنهج والعمل بشكلٍ دؤوب لتطبيقه في حياتِهِ الفردية والاجتماعية, وثانياً: من جهة الغاية والمصير، فالتزكية والتعليم الرباني ليس له غاية إلّا الوصول للسّعادة الحقيقية المتمثلة في القرب الإلهي {هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ}[8].

۲. الشموليّة

يتمتع النظام الإسلامي في التزكية والتعليم بالشمولية لجميع الأبعاد الإنسانية، الروحي منها والجسمي، العقلي والعاطفي، الفردي والاجتماعي، فلا يُولي اهتماماً لبعدٍ ويُهمل الآخر، بل يُعطي لكلٍ منها برنامجاً متكاملاً يُلبي جميعَ احتياجات ذلك البعد في سبيل وصوله إلى الهدف الأساسي من وجوده. عن الإمام الكاظم”ع”: “ليس منَّا منْ تركَ دُنياهُ لدِينِهِ أو ترك دِينَهُ لِدُنْياهُ”[9]. كما يقول الباري تعالى: {وَابْتَغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[10].

كما إنّ النظام الإسلامي شاملٌ لجميع أفراد النوع الإنساني، فلا يختصُ بفئةٍ معينةٍ، أو بزمانٍ ومكانٍ خاص، وإنّما يُخاطب جميع الفئات البشرية في جميع الأزمنة والأقطار.{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ‏}[11]. ومن جهة أخرى فإن الدين الإسلامي يدعو إلى طلب العلم بشكلٍ دائمي متواصل، حيث يقول رسول الله”ص”: “اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد”[12].

۳الواقعية والانسجام مع الفطرة الإنسانية

إنّ واقعية الدين الإسلامي تعني قابليته للتحقيق في الحياة، وأنّه جاء مراعياً لواقع الكون والحياة والإنسان. حيث نجد النظام الرباني للتزكية والتعليم يتلاءم مع واقع الإنسان واحتياجاتِهِ والبيئةِ التي يعيش فيها، فيلبي رغباتِهِ ويسد حاجاتِهِ، وينسجم انسجاماً تاماً مع الفطرة الإلهية المودعة فيه، ومع الهدف الأساسي من خِلقة الإنسان, يقول أمير المؤمنين”ع” مشيراً إلى الغاية من بعث الأنبياء”ع” للناس: “فَبَعَثَ فيهم رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إليهم أنبياءَهُ، لِيَسْتَأدُوهُمْ مِيثاقَ فِطرَتِهِ، وُذَكّرُوهُم مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، ويَحْتَجُّوا عَلَيهِمْ بالتّبْلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ العُقول”[13].

۴. الثبات والمرونة

إن التعاليم الإسلامية مع كونها ثابتة ودائمة لكونها صادرة من العليم الحكيم، فهي مرنة في ذاتها بحيث تتلاءم مع مقتضيات الزمان والمكان، فالمنهج الإسلامي يجمع في تناسق بديع بين الثبات والمرونة، واضعاً كلاً منها في موضعه الصحيح، فقد جاء عن أمير المؤمنين علي”ع” قوله: “لا تقسِروا أولادكم على آدابكم، فإنَّهم مَخْلوقُون لزمانٍ غير زمانكم”[14].

وثبات المنهج الإسلامي مع مرونته تعطيه القدرة على إيجاد الحلول لمشكلات كل عصر ومصر، كما تعطيه الكفاءة والصلاحية للتطبيق في كل مجتمع، ومواجهة الجديد من الوقائع والأحوال، وبالثبات يستعصي المجتمع المسلم على عوامل الانهيار والفناء أو الذوبان في المجتمعات الأخرى.

  1. المبحث الثالث: أصول التزكية والتعليم الإسلامي

إنّ من أهم الاُصول التي اتّخذها الإسلام أساساً في عملية التزكية والتعليم، وبناءً على نظرتِهِ الإلهية لحقيقة الإنسان وأبعاده الوجودية، هي:

۱. إنّ الدين الإسلامي يحفظ أصالة الفرد والمجتمع، فيضع منهجاً لبناء الفرد بوصفه مقدمة لبناء المجتمع والأمة، فيكون بناء شخصية الفرد أمراً ضرورياً من جهة أن الفرد نفسه هدف للتزكية والتعليم، ومن جهة كونه مقدمة لبناء المجتمع الصالح. يقول الباري تعالى {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[15].

۲. إن الإنسان هو موضوع التزكية والتعليم، من هنا فإنّ إحدى أصول التزكية والتعليم في النظام الإسلامي هي معرفة حقيقة الإنسان وأبعاده الوجودية وحاجاته الضرورية، وقد حدّد الإسلام الأُسس والمرتكزات لمعرفة هذه الحقيقة وأبعادها وكيفية الرقي والانطلاق في مسيرته نحو الكمال المنشود.

۳. إن أساس التزكية والتعليم الإسلامي مرتكز على التعقل والتفكر وتوظيف القوة العاقلة، حيث يقول الباري تعالى في كـتابه الـعزيز: {ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْمـَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[16].

۴. التكامل، إنّ مسؤولية الإنسان في الحياة هي حمل الأمانة الإلهية، والتي تريد للإنسان أن يسمو ويرتقي ويتكامل على ضوء المفاهيم والقيم الإلهية، وهذا التكامل لا يتحقق في وثبة واحدة بل يتطلبُ عملاً دؤوباً وحركة متواصلة لكي يصل إلى القمة، ويتكامل الإنسان بالعلم والعمل معاً كما قال أمير المؤمنين علي”ع”: “العِلْمُ يُرْشِدُكَ والعَمَلُ يَبْلُغُ بِكَ الغايَةَ”[17].

بقلم ضحى المرهون_ الحجاز

1. سورة الانشقاق: الآية 6. ( إنّ الدين الإسلامي لم يعتبر في تشريعه مجرد الكمال المادي الطبيعي للإنسان، بل اعتبر حقيقة الوجود الإنساني، و بنى أساسه على الكمال الروحي والجسمي معاً، وابتغى السعادة المادية والمعنوية جميعاً، ولازم ذلك أن يعتبر فيه حال الفرد الاجتماعي المتكامل بالتكامل الديني دون الفرد الاجتماعي المتكامل بالصنعة والسياسة). محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسر القرآن، ج۲، ص ۱۳5.

2. عبد الواحدالآمدي التميمي، غُرر الحكم و دُرر الكلم، ص758.

3 . الحسن بن علي الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، ص۲۰۷.

4 .  محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج۷، ص۴۴۲.

5 . سورة الإسراء: الآية ۳۶.

6. سورة آل عمران: الآية 164.

7. بحار الأنوار، ج 7، ص442.

8. سورة الحديد: الاية 3.

9. الحسن بن علي الحراني، تُحف العقول عن آل الرسول “ص”، ص۳۰۷.

10. سورة القصص: الآية ۷۷.

11. سورة الحجرات: الآية ۱۳.

12. نهج الفصاحة، ص۴۸۵.

13. نهج البلاغة، خطبة۱، ص۳۰.

14 . عبد الحميد بن هبة الله المدائني، شرح نهج البلاغة ، ح ۱۰۲، ص 431.

15. سورة آل عمران: الآية ۱۹۵.

16. سورة النحل: الآية ۱۲۵.

17. عبد الواحد بن محمد آمدي، إكمال غرر الحكم، ح۲۰۱۲، ص۷۳.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …