الرئيسية / الرئيسية / الرسالة الثانية لسماحة القائد السيد الخامنئي دام ظله إلى كل الشباب في البلدان الغربية
قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي
قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي

الرسالة الثانية لسماحة القائد السيد الخامنئي دام ظله إلى كل الشباب في البلدان الغربية

81863860-70348659

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى جميعِ الشباب في البُلدانِ الغربيّة

إنَّ الأحداثَ الـمَريرةَ التي ارتَكَبَها الإِرهابُ الأعمَى في فَرَنسا دفَعَتني مَرّةً أُخرَى إلى مُخاطَبتِکُم. إنَّهُ لَيَحُزُّ في نفسي أَنَّ مثلَ هذهِ الأحداثِ هي التي تُوفِّرُ أسبابَ الحوار، بَيْدَ أنَّ الواقعَ هوَ أنَّ القضايا المؤلِمةَ إذا لم تَمهِّدْ الأرضيّةَ للتفكيرِ بالحلول ولَم تُعطِ الفُرصةَ لتبادُلِ الأفكار، فستكونُ الخسارةُ أعظَم. إنَّ مُعاناةَ أيِّ إنسانٍ، في أيِّ بُقعةٍ من العالَمِ، هيَ بحدِّ ذاتِها مُحزِنَةٌ لبَني جِنسِه؛ فمَشهدُ طفلٍ في حالةِ نزعِ الرّوحِ أمامَ أنظارِ أحبّائِه، أو أُمٍّ انقلبَتْ فَرحةُ عائلَتِها إلى مأتَم، أو زوجٍ يحملُ جسدَ زوجتِهِ مُهَروِلاً، أو متفرِّجٍ لا يدري أنّهُ سيشاهِدُ بعدَ لحظاتٍ آخرَ مشهدٍ مِن مسرحیّةِ حیاتِه، ليسَتْ هيَ ممّا لا تثيرُ العواطفَ والمشاعرَ الإنسانيّة. فكلُّ مَن لهُ نصيبٌ منَ المحبّةِ وحظٌّ مِن الإنسانيّةِ لابدَّ أنْ يتأثّرَ ويتألّمَ لِمُشاهدَةِ هذهِ المناظر، سواءٌ وقعَتْ في فرنسا، أو حصلَتْ في فلسطينَ والعراقَ ولبنانَ وسوريّة. ولا شكَّ أنَّ ملياراً ونصفَ المليارِ من المسلمینَ يحملونَ نفسَ الشعور، وهُمْ بَراءٌ من مُرتَكِبِي هذه الفجائع مُبغِضُون لمسبّبيها. غيرَ أنَّ القضيَّةَ هيَ أنَّ آلامَ اليومِ إذا لَم تُؤَدِّ إلى بناءِ غَدٍ أفضلَ وأكثرَ أمناً، فسوفَ تُختَزَلُ إلى مجرَّدِ ذِكرَياتٍ مُرّةٍ عديمةِ الفائدة. أنَا على ثِقَةٍ بأنَّكُم أيُّها الشباب وحدَکمُ القادرونَ، عبرَ استلهامِ الدروسِ مِن مِحَنِ اليوم، على أنْ تجِدوا سُبُلاً جديدةً لبناءِ المستقبل، وتسدّوا الطرُقَ الـمُضِلّةَ التي أَوصَلَتِ الغربَ إلى ما هوَ عليهِ الآن.

صحيحٌ أنَّ الإرهابَ أصبحَ اليومَ الهمَّ والألَمَ المشترَكَ بينَنا وبينكُم، لكن مِنَ الضروريِّ أن تعرفوا أنَّ القلقَ وانعدامَ الأمنِ الذي عِشتُموهُ خلالَ الأحداثِ الأخيرة يختلفُ اختلافَينِ أساسِيَّينِ عنِ الآلامِ التي تحمَّلَتْها شعوبُ العراقِ واليمنِ وسوريّةَ وأفغانستانَ خِلالَ أعوامٍ طِوال: الأوّل إنَّ العالمَ الإسلاميَّ كانَ ضحيّةَ الإرهابِ والعنفِ على نطاقٍ أوسعَ بكثير، وبحجمٍ أضخَم، ولِفترةٍ أطولَ بكثير. والثاني إنَّ هذا العنفَ كانَ للأسفِ مدعوماً على الدوامِ مِن قِبَلِ بعضِ القِوىٰ الكُبرىٰ بشكلٍ مؤثِّرٍ وبأساليبَ متنوِّعَة. وقَلَّ ما يوجَدُ اليومَ مَن لا عِلمَ لهُ بدورِ الولاياتِ المتّحدَةِ الأمريكيّةِ في إنشاءِ وتقويةِ وتسليحِ القاعدةِ، وطالبانَ، وامتِداداتِهِما المشؤومة. وإلى جانبِ هذا الدعمِ المباشر، نری حُماةَ الإرهابِ التكفيريِّ العلنيّينَ المعروفينَ، وعلى الرغمِ من أنَّ أنظِمَتَهُم هيَ أكثرُ الأنظمةِ السياسيّةِ تخلُّفاً، کانوا دائماً في عِدادِ حُلفاءِ الغَربِ، بَینَما تتعرَّضُ أكثرُ الأفكارِ النابعَةِ مِنَ الديمقراطيّاتِ الفاعِلَةِ في المنطقةِ تقدُّماً وأشدُّها نُصوعاً إلى القَمعِ بكُلِّ قَسوَة. والإزدِواجِیَّةُ في تعامُلِ الغَربِ معَ حركةِ الصَّحوَةِ في العالمِ الإسلامِيّ لَـهِيَ نموذَجٌ بليغٌ للتناقُضِ في السياساتِ الغربيّة.

الوجهُ الآخرُ لهذا التناقُضِ يُلاحَظُ في دَعمِ إِرهابِ الدولةِ الذي ترتکبُهُ إسرائيل. فالشعبُ الفلسطينيُّ المظلومُ يُعاني منذُ أكثرَ من سِتّينَ عاماً من أسوَءِ أنواعِ الإرهابِ. وإذا كانتِ الشعوبُ الأورُبِّيةُ اليومَ تلوذُ ببيوتِـها لِعِدَّةِ أيّام وتتجنّبُ التواجُدَ في التجمُّعاتِ والأماكِنِ المزدَحِمَة، فإنَّ العائِلَةَ الفِلَسطينِيَّةَ لا تشعُرُ بالأمنِ مِن آلةِ القتلِ والهدمِ الصهيونِيَّةِ منذُ عشراتِ الأعوام، حتّى وهيَ في بيتِها. أيُّ نوعٍ من العُنفِ يُمكِنُ مقارنَتُهُ اليومَ من حيثِ شدَّةِ القسوةِ ببناءِ الكيانِ الصهيونيِّ للمستَوطَنات؟ إنَّ هذا الكيانَ، ومن دونِ أنْ يتعرَّضَ أبداً لِمُؤاخَذَةٍ جادَّةٍ مؤثِّرَةٍ من قِبَلِ حُلفائِهِ المتنفِّذين، أو على الأقلّ مِن المنظَّماتِ الدولِيَّةِ التي تدَّعِي استقلالیَّتِها، يدمِّرُ كلَّ يومٍ بيوتَ الفلسطينيّينَ ومزارِعَهُم وبساتينَهُم دونَ أن يُتيحَ للفلسطينيّينَ حتّى فرصَةَ نقلِ أسبابِ معيشَتِهِم أو حصادِ محاصيلِهِم الزراعيَّة، ويحصلُ كلُّ هذا في الغالبِ أمامَ الأعينِ المذعورةِ الدامِعَةِ للنساءِ والأطفالِ الذين يشهَدونَ ضَربَ وإِصابَةَ أفرادِ عوائِلِهِم، أو نقلِهِم في بعضِ الأحيانِ إلى مراكزِ التعذيبِ الـمُرعِبَة. تُری هل تعرفونَ في عالَـمِ اليومِ قسوةً بهذا الحجمِ والأبعادِ وبهذا الامتدادِ الزمَنِـيّ؟! إذا لم يكُنْ إمطارُ سيِّدَةٍ بالرصاصِ في وسطِ الشارعِ – لِمُجرَّدِ الاعتراضِ على جندِيٍّ مُدَجَّجٍ بالسلاح – إرهاباً، فما هُوَ إذَن؟ وهل من الصحیحِ أن لا تُعدَّ هذهِ البربريَّةِ تطرُّفاً لأنَّها تُرتکَبُ من قِبَلِ قوّاتِ شرطةِ حكومةٍ مُحتَلَّة؟ أو بما أنَّ هذهِ الصور تكرَّرَتْ على شاشاتِ التلفَزَةِ منذُ ستّينَ سنة، فإنّها يجب أن لا تستفزَّ ضمائِرنا؟!

الحملاتُ العسكريّةُ التي تعرَّضَ لها العالمُ الإسلاميُّ في السنواتِ الأخيرة، والتي تسبَّبَتْ في الكثير من الضحايا، هيَ نموذجٌ آخرَ لمنطقِ الغربِ المتناقض. فالبلدانُ التي تعرَّضَتْ للهجَمات، فَقَدَتْ بُناها التحتيّةِ الاقتصاديّةِ والصناعيّةِ، وتعرَّضَتْ مسيرتُها نحوَ الرُّقِيِّ والتنميةِ إمّا للتوقُّفِ أو التباطُؤ، وفي بعضِ الأحيانِ تراجَعَتْ لِعشراتِ الأعوام، فضلاً عَمّا تحمَّلَتْهُ من خسائرَ إنسانيَّة. ورَغمَ كلِّ هذا يُطلَبُ منهُم بوقاحةٍ أن لا يعتبروا أنفُسهُم مظلومين. كيفَ يمكنُ تحويلُ بَلَدٍ إلى أنقاض وإحراقِ مُدُنِهِ وقُراهُ وتحويلِها إلى رَماد، ثُمَّ يقالُ لأهالیه: لا تَعُدّوا أنفُسَكُم مظلومين رجاءً! ألَيسَ الأفضل الاعتذارُ بصدقٍ بدلَ الدعوةِ إلى تعطیلِ الفهمِ أو نسيانِ الفجائع؟ فإنَّ الألمَ الذي تحمَّلَهُ العالمُ الإسلاميُّ خلالَ هذهِ الأعوامِ مِن نفاقِ المهاجمينَ وسعیِهِم لتنزیهِ ساحتِهِم ليس بأقلَّ من الخسائرِ المادّيَة.

أيّها الشبابُ الأعزّاء، إنّني آمُلُ أن تغيِّروا أنتُم، في الحاضرِ أو المستقبَل، هذه العقلیّةِ الـمُلوَّثَةِ بالتزييفِ والخِداع، العقلیَّةُ التي تتفنَّنُ في إخفاءِ الأهدافِ البعيدةِ وتجميلِ الأغراضِ الخبیثة. أعتقدُ أنَّ الخطوةَ الأولى في توفير الأمنِ والاستقرار هي إصلاحُ هذه الأفكارِ الـمُنتِجَةِ للعُنف. وطالما تسودُ المعاييرُ المزدوَجَةُ على السياسةِ الغربيّة، وطالما یُقَسَّمُ الإرهابُ في أنظار حُماتِهِ الأقوياءِ إلى أنواعَ حسَنَةٍ وأُخرى سيِّئَة، وطالما یتمُّ ترجيحَ مصالحِ الحكوماتِ على القِيَمِ الإنسانِيَّةِ والأخلاقِيَّة، ينبغي عدمَ البحثِ عن جذورِ العنفِ في أماكنَ أُخرى.

لقد ترسَّخَتْ للأسف هذهِ الجذورُ تدريجيّاً، على مدى سنينَ طويلةً، في أعماقِ السياساتِ الثقافيّةِ للغربِ أيضاً، وراحَتْ تُعِدُّ لِغزوٍ ناعمٍ صامِت. الكثيرُ من بلدانِ العالمِ تعتزُّ بثقافاتِها المحلّيَةِ الوطنيّةِ، تلكَ الثقافاتِ التي غذَّتِ المجتمعاتِ البشريّةِ بأحسنِ ما تكونُ التغذيةُ طوالَ مئاتِ السنين محافِظةً علی إزدهارِها وخصوبتِها. والعالمُ الإسلاميُّ أيضاً ليسَ استثناءً لهذهِ الحالة. ولكنَّ العالَمَ الغربيّ، وعبرَ استخدامِهِ الأدواتِ المتطوّرة، باتَ يُصِرّ في الحِقبةِ المعاصرةِ على الاستنساخِ والتطبیعِ الثقافيِّ في العالم. إنّني أعتبرُ فرضَ الثقافةِ الغربيّةِ على سائرِ الشعوب، واستصغارَ الثقافاتِ المستقلّةِ، عُنفاً صامتاً وعظيمَ الضرر. إنَّ عمليّةَ إذلالِ الثقافاتِ الغنيّةِ والإساءةِ لأكثرِ جوانبِها حرمةً تجري في وقتٍ لا تستوعبُ الثقافةُ البديلةُ أنْ تكونَ البديلَ لها على الإطلاق. وعلى سبيلِ المثال، إنَّ عُنصُرَي «الصخَبِ» و«التحلُّلِ الأخلاقيِّ»، اللذَّینِ تحوَّلا للأسفِ إلى مكوِّنَينِ أصليَّينِ في الثقافةِ الغربيّة، هبَطا بمكانَتِها ومَدیٰ قَبولِـها حّتى في موطنِ ظهورِها. والسؤالُ الآن هوَ: أَنَكونُ مُذنِبينَ إذا رفَضْنا ثقافةً عدوانيّةً متحلّلةً خاوِيَة؟ وهل نحنُ مقصّرونَ إذا منَعْنا سيلاً مدمِّراً ينهالُ على شبابِنا على شكلِ نِتاجاتٍ شِبهِ فنّيةٍ مختلِفَة؟

إنّني لا أُنكِرُ أهمّيةَ الأواصرِ الثقافيةِ وقيمَتَها. فمَتىٰ ما تحقّقَتْ هذهِ الأواصرُ في ظروفٍ طبيعيّةٍ وحَظِيَتْ باحترامِ المجتمعِ المتلقّي لها فستُنتِجُ التطوُّرَ والإزدهارَ والإثراء. وفي المقابلِ فإنَّ الأواصرَ غيرَ المتناغِمَةِ والمفروضةِ قد أثبَتَتْ فشلَها ومضرَّتَها. وعلَيَّ أنْ أقولَ ببالغِ الأسف إنَّ جماعاتٍ دنیئَةٍ مثلَ «داعش» هي ثمرةُ مثلِ هذهِ الصِّلاتِ الفاشلةِ مع الثقافاتِ الوافِدَة. فلو كانتِ المشكلةُ عقائديّةً حقّاً لَوَجَبَ مشاهدةُ نظيرِ هذهِ الظواهرِ في العالمِ الإسلامِيِّ قبلَ عصرِ الاستعمارِ أيضاً، في حين أنَّ التاريخَ يشهدُ بخلافِ ذلك. إنَّ الوثائقَ التاريخيّةَ المؤكَّدَةَ تَدُلُّ بوضوحٍ كيفَ أنَّ التقاءَ الاستعمارِ بفكرٍ متطَرِّفٍ مَنبوذٍ نشأَ وسطَ قبيلةٍ بدويّةٍ كانَ قد زَرَعَ بذورَ التطرُّفِ في هذه المنطقة. وإلاّ فكيفَ يمكنُ أنْ يَنتُجَ عن واحدةٍ مِن أكثرِ المدارسِ الدينيّةِ أخلاقاً وإنسانيّةً في العالَم، والتي تَعتَبِرُ، وِفقَ نُسخَتِها الأصليّةِ، أنّ قَتْلَ النفسِ الواحدةِ كَقَتْلِ الناسِ جمعياً، كيفَ يُمكنُ أنْ يَنتُجَ عنها قُمامةٌ مثلُ «داعش»؟!

من جانبٍ آخر، ينبغي التساؤُل: لماذا ينجَذِبُ مَن وُلِدَ في أوربّا وتربّیٰ في تلكَ البيئةِ الفكريّةِ والروحيّةِ إلى هذا النوعِ منَ الجماعات؟ أَوَيُمكِنُ التصديقُ بأنَّ الأفرادَ ينقلبونَ فجأةً، بسَفرَةٍ أو سَفرَتَينِ إلى مناطقِ القتال، إلى متطرِّفينَ یرشقونَ أبناءَ وطنِهِمْ بالرصاص؟ بالتأكيد لا ينبغي هنا نسيانُ سنواتٍ مديدةٍ مِن تأثیراتِ التغذيةِ الثقافيّةِ غيرِ السليمَةِ في بيئَةٍ مُلَوَّثَةٍ ومُنتِجَةٍ للعُنفِ. لابُدَّ مِن الوصولِ إلی تحليلٍ شاملٍ في هذا الخصوص، تحليلٍ يكشفُ النِّقابَ عنِ الأدرانِ الظاهِرةِ والخفِيَّةِ في المجتمع. لعَلَّ الكراهيَةَ العميقةَ التي زُرِعَتْ، طِوالَ سنواتِ الازدهارِ الصناعِيِّ والاقتصادِيّ، في قلوبِ شرائحَ من المجتمعاتِ الغربيَّةِ نتيجَةَ حالاتِ عَدَمِ المساواة، ورُبَما حالاتِ التميِيزِ القانونيّةِ والبُنيَوِيَّةِ، قد أَوجَدَتْ عُقَداً راحَتْ تتفجَّرُ بينَ الحينِ والآخرِ بهذهِ الأشكالِ المريضة.

على كلّ حال، أنتُمُ الذينَ يجبْ أنْ تشُقّوا القشورَ السطحيَّةَ لِمُجتمعاتِكُم، وتَجِدوا مَکامِنَ العُقَدِ والأحقادِ وتُكافِحُوها. وينبغي ترميمُ الـهُوّاتِ بدلَ تعميقِها. فإنَّ الخطأَ الفادِحَ في محاربةِ الإرهابِ هوَ القیامُ بردودِ الأفعالِ المتسرِّعَةِ التي تزيدُ من حالاتِ القطیعةِ الموجودة. وأيّةُ خُطوَةٍ انفِعاليَّةٍ مُتسرِّعةٍ تدفعُ المجتمعَ الـمُسلِمَ في أوربّا وأمريكا، المكوَّنِ من ملايينِ الأفرادِ الناشطينَ المتحمّلينَ لمسؤوليّاتِهِم، نحوَ العُزلَةِ أو الخوفِ والاضطراب، وتحرِمُهُم أكثرَ مِن ذِي قَبْل مِن حقوقِهِم الأساسيّة، وتُقصيهِم عن ساحة المجتمع، سوف لا تَعجَزُ عَنْ حَلِّ المشكلَةِ فحسب، بل ستزيدُ المسافاتِ الفاصلةَ وتُكَرِّسُ الحزازات. إنّ التدابيرَ السطحيّةَ والانفعاليّةَ، خصوصاً إذا شُرعِنَتْ وأُضفِيَ علیها الطابع القانونيّ، لن تؤدّي إلاّ إلى فتحِ الطريقِ أمامَ أزَماتٍ مستقبليَّةٍ عبرَ تكريسِ الاستقطاباتِ القائِمَة.

وفقاً لما وَصلَ من أنباء، فقد سُنَّتْ في بعضِ البلدانِ الأوربّيَةِ قوانينُ تُحرِّضُ المواطنينَ على التجسُّسِ على المسلمين. وهذهِ السلوكيّاتُ ظالِمة، وكلُّنا يعلَمُ أنَّ الظُّلمَ لهُ خاصِّيةُ الارتدادِ شِئنا أمْ أبَينا. ثمَّ إنَّ المسلمينَ لا يستحقّونَ هذا الـجُحود. فالعالَمُ الغربيُّ يعرفُ المسلمينَ جيِّداً منذُ قرون. إذْ يومَ نزلَ الغربيّونَ ضيوفاً في دارِ الإسلامِ وامتدَّتْ أعيُنُهمْ إلى ثرواتِ أصحابِ الدار، أو یومَ غَدَوا مضيِّفينَ وانتفَعُوا مِن كَدِّ المسلمين وفِكرِهِم، لم يلاقوا منهُم في الغالِبِ سِوى الرأفةِ والصبر. وعليهِ، فإنَّني أطلبُ منكُم أيّها الشباب أن تُرسُوا، معَ العالَمِ الإسلاميِّ، أُسُسَ تعامُلٍ صحيحٍ وشريف، قائمٍ على معرفةٍ صحيحةٍ ونظرةٍ عميقة، ومبنِيٍّ على الاستفادةِ من التجاربِ المريرة، وحينَئِذٍ ستجدونَ، في المستقبلِ غيرِ البعيد، أنّ البناءَ الذي شيّدتُموهُ على هذه الأسُسْ يمدُّ ظلالَ الطمأنينَةِ والثِّقَةِ على رؤوسِ مُشيِّديه، ويُتحِفهُمْ بالأمنِ والسكينَة، ويُشرقُ بأنوارِ الأمَلِ بمستقبَلٍ زاهرٍ على أرضِ المعمورة.

السيّد عليّ الخامنئي

۲۹ نوفمبر/ تشرین الثانی 2015

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …