الرئيسية / الرئيسية / مناسبات / حامل اللواء في كربلاء
ابالفضل

حامل اللواء في كربلاء

 الوالدُ يُقبِّلُ يَدَيَ ابنه

   جاء في بعض الروايات أن أم البنين قمّطت ولدها العباس بقماط أبيض وقدمته إلى أبيه ليجري عليه سنن الولادة, فلما أخذه أمير المؤمنين”ع” قرّبه إلى فمه ومسح على عينيه وأذنيه وفمه ثم أذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وقال ما سمّيتموه؟ أجابت أم البنين: ما كنّا نسبقك في شيء يا أمير المؤمنين, فسماه عباساً, وضمّهُ إلى صدره وأخذ بيديه ورفعهما إلى فمه ولثمهما بقبلاته واستعبر باكياً وهو يقول: كأني بيديه هاتين تُقطعان يوم الطف عند مشرعة الفرات في نصرة أخيه الإمام الحسين”ع”  ثم كنّاه بأبي الفضل ولقّبه بقمر بني هاشم.

مقام أبي الفضل العباس”ع”

نحن أمام ذات قدسية مباركة, عُرفت بطاعتها لله ولرسوله وللأئمة المعصومين”ع”  كما أفضى في حقها الصادق”ع”:السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم.

   نحن أمام ذات إلهية, عابدة, صالحة, مُسلّمة, مُصدقة … “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا”

     نحن بين يدي أحد جهابذة الفكر… نحن بين يدي من “زُق العلم زقّا” هذا ما ورد عنهم”ع”, كيف لا وهو تلميذُ مدرسة أبيه أمير المؤمنين”ع”  وباب مدينة علم الرسول”ص” قرابة الأربع عشرة سنةً من عمره الشريف, بعدها على يد أخيه وإمامه الحسن المجتبى”ع” ما يقرب من عشر سنين, وبعدها على يد الحسين”ع” ما يقارب إحدى عشرة سنة, ولو قُدِّر له أن يعيش في غير عصر الأئمة”ع” لظهر للناس مقامه العلمي الشامخ, وفكره الوهّاج الساطع. هذا الكنز المخفي نال وسام العصمة ( المكتسبة) بجهوده, ويقينه, بإخلاصه, ومنتهى تسليمه وتوكله على الله سبحانه, فأحجم إلا عن عمل الواجبات, وفعل الطاعات والخيرات, والبر والإحسان حتى صعدت روحه إلى الجنان.

من مواقف العباس”ع”

     ماذا نقول في شخصية انحنى لها التأريخ إكباراً وإجلالاً, خضوعاً وخنوعاً, شخصية أبهرت الصديق والعدو, الكبير والصغير , القريب والبعيد..؟ حينما ظهر شبل أمير المؤمنين”ع” مُلثّماً لا يعرفه أحد لاصديق ولاعدو في صفين, وبوادر الشهامة والبسالة, والصمود والصلابة, والهمة والإرادة, والثقة والعزة باديةٌ عليه إذ هابه الجميع, وانتدب له معاوية أبا الشعثاء, وكان أهل الشام يعدونه بألف فارس, فأنف الخروج إليه وأرسل له أحد أولاده, وكان له سبعة أولاد, فقتله فاغتاظ أبو الشعثاء, وأرسل الثاني ليأخذ بثأر الأول فقُتِل, وهكذا حتى انتهوا جميعاً فأقبل الأب بنفسه فابتدره العباس”ع”  بضربة قاضية ألحقته بأولاده, فارتعدت فرائص العدو, ولم يجرأ أحد على مقارعته, ثم رجع الفتى الضيغم إلى أبيه أمير المؤمنين”ع” فأزاح النقاب عن وجهه وقبّل ما بين عينيه … فإذا هو قمر بني هاشم.

     ويوم عاشوراء إذ ناداه الشمر الملعون… أين بنو أختنا؟ أين العباس وإخوته؟ فلم يجبه أحد, فقال لهم الحسين”ع” أجيبوه ولو كان فاسقاً, فقال العباس: ما تريد؟ قال: أنتم آمنون يا بني أختنا. قال العباس”ع” : لعنك الله ولعن أمانك, أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟!

     نعم, حاولوا إعطاءَه الأمان لأنّهم تذكّروا حملات الليث الغضبان في الوغى.. حملات الأسد المقدام في الأوطسة…

     السلام على حامل اللواء يوم عاشوراء…

     لا يخفى أن من يُقلّد اللواء يكون معروفاً بالشهامة والإقدام, والنبل والشرف, لأن حامل اللواء ينبغي أن يضمّ كل إفراد جيشه تحت رايته, وأن يكون محبوباً ومرضياً من قبل كافة الجيش وهذا في نفسه شرف وفخر واعتزاز لحامل اللواء وللجيش الذي يكون مُنتظماً ومُلتئماً ومتفانياً مادام اللواء خفّاقاً عالياً, وقد جاء في تعليمات الإمام أمير المؤمنين”ع” في نهج البلاغة لأصحاب الألوية:

       “ورايتكم فلا تُميلوها ولا تُخِلّوها , ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم, والمانعين الذمارِ منكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يَحفّون برايتهم ويكتنفونها حفافيّها ووراءها وأمامها, لا يتأخرون عنها فيسلموها, ولا يتقدمون عنها فيفردوها…”.

ولأجل ذلك اختار الإمام الحسين”ع” للوائه أخاه أبا الفضل”ع”, فكان نعم الاختيار كفوءاً بحمل اللواء, حتى إنه وحفاظاً على اللواء بقي في آخر من بقي مع الإمام الحسين”ع” حتى ضاق صدره, وهو البطل الهُمام والفارس المقدام, فتقدم إلى الحسين”ع” يستأذنه في البراز, فأبى أن يأذن له وقال: إن كان ولابد فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء, هنا تتجلى طاعة أبي الفضل العباس, وتتألق عبودية العابد المطيع, فلم يُرَ يوماً اجتهد برأيه, ولم يُر يوماً تصرّف من عند نفسه, فيتقدّم المعصومين الذين عايشهم فيمرق عنهم, بل كان محض العبودية الحقة للأوامر الصادرة منهم, ولم يتأخّر عنهم فيزهق.

 

الشهـــادة

وأخيراً لم يُشف صدر العباس من الأعداء بالبراز امتثالاً لأمر أخيه, فأخذ القربة واتجه نحو الفرات, فأحاط به أربعة آلاف ورشقوه بالنبال, فلم تُرعه كثرتهم وأخذ يطردهم “ولم يشعر القوم أهو العباس يجدّل الأبطال أم أن الوصي يزأر في الميدان”, حتى اقتحم الفرات, فلما أحس ببرد الماء ولشدّة ظمئه واستعار قلبه, اغترف منه غرفة وقرّبها إلى فمه, حينها تذكر عطش الحسين”ع”, فأبى أن يشرب مواساة لأخيه, ورمى الماء وملأ القربة وخرج من الفرات.

وكفى به شرفاً وعزاً إذ أطراه الإمام الصادق”ع” قائلاً:

“فنعم الأخ المواسي”

     ثم توجّه العباس إلى المخيّم آملاً إيصال الماء إلى الأطفال بعد أن أكثر القتل فيهم حتى كمن له أحد الأشقياء وراء نخلة وضربه على يمينه فبراها, وضربه آخر على شماله فبراها, هنا احتفظ العباس باللواء بساعديه وعضديه وألصقه بهما إلى صدرهِ, ثم أتته السهام كالمطر وأصاب سهم القربة وأريق ماؤها, وضربه آخر على رأسه ففلق هامته, فهوى إلى الأرض مع اللواء, فأتاه الحسين”ع” ورآه على هذه الحال وقال: الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.

   فجزاك الله يا أبا الفضل العباس عن رسوله وعن أمير المؤمنين وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبت وأعنت فنعم عقبى الدار.

المصـادر :

نهج البلاغة, خطبة رقم124.

العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام), علي محمد علي دخيِّل.

سقاى آب وادب, سيد مهدى شجاعى. (فارسى)

الخصائص العباسية, الحاج محمد إبراهيم الكلباسي النجفي.

مقتل الحسين (ع), العلاّمة السيد عبد الرزاق المقرّم.

مفاتيح الجنان

شاهد أيضاً

28_20090825_1076253507

ذو الجناح

لم تتعرض كتب المقاتل والتواريخ لبيان مصير الجواد ذي الجناح بصورة مفصلة، وغاية ما ورد …