الرئيسية / الرئيسية / حقيقة الشكر
61cd78fc0e09a23fe48ee4bf521664c8

حقيقة الشكر

{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}

       في مسألة داود”ع” أنه قال: يا رب كيف لي أن أشكرك وإني لا أصل شكرك إلا بنعمتك, فأتاه الوحي أن يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني قال بلى يا رب، قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً.

والملاحظ أن النبي داود”ع” عاجز عن الوصول إلى الشكر, فلماذا هذا العجز عن الشكر؟

   إن شخصا لو أتاك بنعمة أو فضل تقول له شكرا بدون تردد, وهذا أقل الشكر, أو أن تقابله بفضل ما, أو تقوم له بعمل أو خدمة ما, وحقيقة هذا العمل هو أن تؤدي الشكر لذلك الشخص.

   تعالوا إلى أنعم الله, لو كل واحد منا جلس ليعد النعم الإلهية ليشكرها, ما هو الرقم الذي يصل إليه؟ أو هل يوجد رقم يحصي عدد النعم؟ فلو أردنا العد كتابةً, لما وسعت الأوراق ولا الأقلام, فنترك العد لك يا مؤمن، وبعد هذا العد تريد أن تشكر المنعم مثلا, أقبلت إلى الوضوء لتصلي ركعتين شكرا لله, هل فكرت في الماء وأنه نعمة عظيمة من الله وتحتاج إلى شكر, ثم كيفية الوضوء لتحصيل الطهارة وأسرار الطهارة, ثم عمل الجوارح بهذه الأعمال وكيفية وضع الجوارح في خدمة الإنسان ألا تحتاج إلى شكر؟ ثم تقف بين يدي الله عز وجل برجليك وهما نعمة منه, وأقبلت بقلبك وهو توفيق من الله أن وفقك لأن تشكره ثم نطقت بلسانك وهو نعمة منه ثم… الخ ثم تقوم بالصلاة وهي لك فتقبلها الله منك لا لاحتياجه لها بل لاحتياجك لها ويثيبك عليها وأي عمل تقوم به فيثيبك عليه بأضعاف مضاعفة, والعمل من توفيقه والجوارح منه والطعام الذي قويت به على القيام هو نعمة منه ويحتاج إلى شكر فكيف تسطيع أداء الشكر على النعم؟

     وهذه النعم نعمٌ ملموسة, أما النعم غير الملموسة حسياً بل ملموسة قلبياً ماذا تفعل أمامها؟ كيف تشكرها؟ ومن هذه النعم أنك لو دققت التفكر عند وقوفك لأداء الشكر, فهذا الوقوف ليس من طرف واحد, بل من طرف الله أكثر, قال تعالى {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}, ففي هذه الحالة يكون الله مقبلاً ومتجهاً نحو عبده ويقبل منه هذه النية من الشكر, فقبول الشكر من الله ولو بنسبة ضئيلة يحتاج إٍلى شكر, ثم فوق هذه النعم كلها والعجز عن شكرها والتحير عند الوقوف عليها يقول الله تعالى: لأن شكرتم لازيدنكم, فبمجرد إقبال العبد على الله لشكره, يفيض الله عليه بازدياد النعم.

     فالحقيقة, هل شكرنا حقاً حتى يقبل الله شكرنا؟ نحن غارقون في النعم ولا يمكننا أدراك النعم. فمتى خرجنا من النعم حتى ندركها؟ كل ما لمسنا وكل ما رأينا وكل ما أدركنا هو نعمة منه، فلو قال شخص ما الذي أعطاني ربي يقال ما الذي لك على الله وماذا أعطيت لله حتى تريد منه؟!

   فلهذا عجز داود”ع” عن شكر الله حتى أوحى الله إليه: يكفي أن تقرّ أن النعم التي عندك هي من عندي.

بالله عليكم هذه ليست نعمته أن يكون الشكر مجرد إقرار بالنعم أنها من الله وهذا الإقرار يجعل الإنسان مستحضراً لله في كل لحظة وكل مكان وزمان وكل موقف, وهذا الاستحضار يبعد الإنسان عما لا يرضى عند صاحب النعم, وهذه نعمة من الله تجعل الإنسان يصل إلى كماله وسعادته وتحتاج إلى شكر كما قال الإمام السجاد “ع”:وشكري إياك يفتقر إلى شكر.

                             جعلنا الله وإياكم من الشاكرين لأنعم الله تعالى

غفران آلبوسبح _ العراق

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …