الرئيسية / الرئيسية / هذه قصتي فاحذري..
road-531x330

هذه قصتي فاحذري..

(الحلقة الثالثة)

تابعنا معاً قرائنا الكرام في الحلقة الماضية, طبيعة العلاقة التي تربط أبا رحاب بعائلته، زوجته الأولى وبناته الخمس, حيث كان يخشى أن يتسرب خبر مجيئه بالحاجيات إلى زوجته الثانية، ومدى كره رحاب له وعدم رغبتها في ملاقاته, وهمساتها له وهي تراه من ثقب الباب كيف يزهو بنفسه وهو يقدم لزوجته مالاً ولبناته شيئاً من حقهن عليه, وهي تتمنى أن يحين الوقت الذي تقف أمامه وتطرده بعد أن تجد طارقاً زوجاً يحميها من أبيها, ويضمن العيش الكريم لأمها وأخواتها, ثم تذكرها أمر الصحيفة التي اشترتها وهي تنتطر طارق والتي وجدت في إحدى صفحاتها قصة لفتاة غنية تصادف في طريقها شاباً فتفتعل موقفاً ليكون مناسبةً للحديث معه وقد انتهت حلقتنا بعد أن دار الاتصال الهاتفي الأول من الشاب المذكور في القصة بإسم(ن) بـ(س) …

…وبعد حديث طويل استيقظــُت على صوت الآذان من المسجد القريب فاكتشفت أنه لم يكن إلا حلم جميل, كانت قناة الأغاني لازالت مستمرة في بثها والراقصون والراقصات مازالوا في رقصات فانتانزيا الخواء الفكري, فاطفأت التلفاز بسرعة وأنا استغفر الله فقد تعلمت منذ نعومة أضفاري أن الاستماع إلى الأغاني وقت الآذان- حصراً- هو أمر محرّم!!

تناهى لي صوت خرير الماء, لابد أنه (ح) فلإنه الوحيد الذي يصلي في بيتنا، لم يكن ذكاءً من أن أشخصه, هو لا غيره (ح) يصغرني بسنتين, وهو مثال الشاب المسقيم قد تتخيلين أنه إنسان رجعي متزمت, كلا البته هو أيضاً طالب جامعي يعيش في هذا العصر بما فيه من أنترنت ونادٍ رياضي وسفرات, لكنه يرفض الاختلاط السلبي كما يسميه والذي شاهدت مشاكله في السفرات المختلطة والحفلات.

كان (ح) قد سار في طريق مسقيم منذ نعومة أضفاره, فقد حباه الله بالإضافة إلى الفطرة السليمة صديقاً من بيت صالح كان جاراً لنا.

أما أخي الأكبر فهو (ر) كان في ذلك الحين متخرجاً, وكان يفكر في السفر للخارج، وكنت قد شكّلت بأشبه ما يكون بالحلف معه على (ح) كنا نضايقه كثيراً.

أعود بك إلى صلب الموضوع, وما جرى بعد ذلك اللقاء, تعددت اللقاءات بيني وبين(ن) الذي غرقت في بحر كلامه المعسول, كنت شديدة التعلّق به بالرغم من أن تصرفاته كانت تدل على أنه لايحبني بل يبتزني بشكل واضح لكن كنت متعامية؛ الأشياء التي كان يطلبها مني كلها باهضة الثمن كنت كلما ذهبت لأشتري فستاناً قلت له بغباء وكأني أنا الرجل وماذا عنك؟! فكانت عيناه تشير إلى أغلى بدلة أو “تي شيرت” أو بنطال كما قلت لك كان ابتزازه لي واضحاً وبحركات وكلمات مدلسة, كان يصّور لي أنه خجل متألم _بعد كل طلب قاصم للضهر_ حتى أعضاء الشلة المساكين شعروا أني أصبحت أتقشف في مصروفي عليهم، أما أنا فكنت أبادره بأن الحب يدفع إلى المبادرة إلى الطرف المقابل ولافرق بين الرجل والمرأة _وكنت دائماً أنا الطرف المبادر_ وكنت أردد كالببغاوات عذره: “أبوك يبخل عليك لأنه يؤمن بنظرية التقشف وحتى ما ورثته من أمك يحرمك منه”…

والآن حين أتذكر تلك الأيام أشعر بالإستياء من نفسي واحتقارها أكثر مما أشعر به نحو (ن) لكم كنت أتعامى, وذات يوم وبينما كنت أنتظره وقد مرّ على الموعد نصف ساعة, تسرّب اليأس من قدومه لقلبي إذ أن مواعيده دقيقة..

دفعت الحساب وبينما كنت أسلك طريقي نحو الباب فإذا به يتقدم نحوي وقد ارتسم الحزن على محياه, كانت يده اليمنى ملفوفه مع بعض الخدوش على وجهه المشؤوم سألته بلهفة: ن.. ما الخبر, ماذا جرى لك؟!

_ لاشيء أهدءي.

_ كيف وأنا أراك بهذه الحالة؟!

_دعينا نجلس أولاً.

كان بارعاً في التظاهر بأن مصيبة ما حلت به, وليتها حلت ولما جلسنا قلت له: “تكلم بالله عليك..قل لي ماذا حصل؟!”

_ ورطة كبيرة.. يا (س) سيارتي أصيبت بحادث ونجوت بأعجوبة والآن من يخلصني من يد أبي؟.. ليتني مت ياعزيزتي!

_ ما هذا الكلام يا(ن)!! سلامتك أهم من كل شيء!!

_ أبي إن علم بالأمر ستصبح كارثة.

لم يطل بنا المقام حتى قلت له: “خذ سيارتي مكانها”..

_ وماذا ستقولين لأهلك؟!

_ سأدعي… أنها سرقت!

وصدّقت أكذوبة (ن) التي لا تصلح إلا لسيناريو فيلم هندي، فكيف لسيارة تصبح خردة بينما لايعاني صاحبها منها إلا خدوش بسيطة؟!!

وبالرغم من ضعف القصة, إلا أن عنصر (الحُبكة) أقنعني أن (ن) نجا من موت محتم..!!

واتفقنا على أن نجتمع تحت سقف واحد (بالحلال كما ندعي)!! ولكن في الخفاء ودون أن يعلم أهلي وبالرغم من وجوب رضا ولي أمري لكني رضيت أن أكون شيئاً رخيصا وتافهاً, وأدعي أني لم أخرج عن الشرع وأنا أضرب بأوامره في هذا الزواج السري عرض الحائط… الزواج الذي يأمر به الشرع في النور لا في الظلام… خلسة عن أعين الناس..

الزواج السري حالة من خداع النفس للنفس, فالفتاة لاينبغي أن تفرط بنفسها بهذه السهولة, الزواج السري الذي أجد تشجيعاً عجيباً عليه في إعلامنا العربي الذي هيّأ الأرضية لـ(ن) وغيره بخداع (س) ومن يماثلها في الغباء، والذي يصور أن من تتزوج دون علم أهلها فتاة قوية الشخصية, وأنهم سوف يرضخون في النهاية لهذا الزواج ولهذا الصهر الذي يقف لهم في الشدائد، رغم أنهم لم يرضوا به عندما طرق البيوت من أبوابها, والذي يحمل كل الحب والحترام لزوجته التي نالها رخيصة يبدو أن قاعدة إعلامنا العربي هي(مايؤخذ رخيصاً يبقى غالياً) لذا وما للإعلام العربي من اليد الطولى في التشجيع على هذا الهوس وإلباسه ثوب المشروعية.

نعم, لايمكن المرور على هذا الموضوع من دون ذكر من له الريادة في التشجيع على هذا الاستهتار بقوانين السماء, وهذه الوقاحة في خلط الأوراق.. لا يمكن المرور على هذا الموضوع دون ذكر من ناضل لأجل أن يجد طريقه نحو التطبيق..

وأصبح الاستيلاء (هدف زواج (ن) مني أسهل، فمجوهراتي وكل ما أملك من أموال راحت شيئاً فشيئاً.. الرصيد الذي في البنك… أرض زراعية سجلها أبي باسمي هرباً من الضريبة, كان كلما بادرني أبي بالحديث كانت الدماء تتجمد في عروقي خوفاً من ان يسألني عن الأرض؛ ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل وصل بي الحد أن أسرق من أمي واتّهمت الخادمة المسكينة بذلك..

وأشياءً لست أتذكرها على هذه العجالة, وأهم شيء خسرتـُه هو كرامتي… وتوفيت أمي وكان لهذا الحدث الأثر البالغ على نفسي, كانت تحبني بعاطفة طاغية، لأني ابنتها الوحيدة وكانت تسيء إليّ من غير قصد, إذ كانت تفتح لي الضوء الأخضر دائماً, وتسلمني بعد قبلتين وشيئاً من التوسل المبلغ الذي أريد..

استغل (ن) ذلك وبدأ يعطيني حبوب, قال أنها مهدئة ولكني وجدت نفسي لا أستطيع تركها وعندما ذهبت إلى الطبيب قال لي: أي طبيب معتوه هذا جوّز لك مثل هذه الحبوب؟!!

كنت بانتظاره وأنا أشتاط غضباً.. لم أستطع اللقاء به أو الذهاب إلى الشقة بسبب المعزين، أقلقتني عمتي والتي كانت ثاقبة البصر والتي لم ترني منذ خمس سنين حين قالت: “لقد نضجت يا (س) تصرفاتك أكبر من عمرك, فليرحم الله أمك, كانت سيدة مجتمع والبنت لأمها كما يقولون…”

أدخل قول عمتي الشك في قلبي, فماذا ترمي بقولها هذا؟ وهي تعرف أن أمي كانت تصغر أبي بعشر سنين, وعندما تقدم لها ولم يوافق جدي أن يعطي ابنته الوحيدة لرجل يكبرها بعشر سنين؛ حاولت الانتحار أو لعلها لوحت لهم بذلك فطارت قلوبهم خوفاً ووافقوا على الفور ولم يكن ذلك حباً بأبي بل لتنتقم من أخيه الأصغر الذي كانت على علاقة به ثم انتهت بالتخاصم!!.

ولقيت (ن) بعد ثلاثة أيام من الصبر، أهنته بشدة, فظل صامتاً, وقبل أن يغادر الشقة قال: “صدقيني, كان حالك يصعب عليّ إذ أن فقد الأم صعب!!”..

وبعد ثلاثة أيام صالحته وكنت أنا المتنازل.. ليته كان زوجاً صالحاً يستحق التنازل، وليت زواجنا كان زواج تفانٍ ومحبة بقدر ما كان نزوة عابرة نقنع أنفسنا بشرعيتها..

وبعد تلك الحادثة بدأ (ن) يتغير ويتصرف بطريقة مثيرة للأعصاب لا يفي بمواعيده في المجيء للشقة, بدأ يستعمل كلمات جارحة وكأنها دبابيس من كلام؛ حقيقة الأمر إن وقت اللعبة قد انتهى فقد حصل (ن) على أكثر مما يحلم به من هذا الزواج؛ أخبرته بأنه حان الوقت أن يعلن زواجنا _ولم تكن هذه بالمرة الأولى_.

اجترّ عليّ قوله: “كيف وأبي مصر على أن أتزوج بابنة عمي الوريثة الوحيدة لأبيها؟”.

وبعد أن زال عمى الانخداع شيئاً فشيئاً, شككت في كونه غنياً لأنه لم يكن يحمل من غنى النفس شيئاً ويطلب مني بإلحاح…

طوت رحاب الصحيفة وفي عينيها نظرات حائرة, عادت للصحيفة, إنها أسبوعية أنى لها أن تنتظر إلى الأسبوع القادم؟.. الأيام كانت طويلة ومملة،مرّ يوم الموعد مع طارق الذي كان ينتظره على أحر من الجمر، مما سرب الشك إلى قلبه..

وجاء يوم صدور الصحيفة.. هل تشتريها رحاب يا ترى؟.. هل تقرأ نهاية (س) الفتاة الثرية لتخمن مصير الفتاة الفقيرة؟.. قاطعت مخاوفها بالقول: “لكن..طارق”.. لكنها مالبثت أن سخرت من نفسها: “لكن ماذا؟!… إذا كان (ن) الفقير قد زهد بـ (س) بعد أن أخذ منها المال, فما يصنع طارق الغني بفتاة فقيرة بعد أن؟!..” وقفت أمام المرآة, كانت لا زالت بملابس المدرسة, أخرجت حقيبة يدوية من خزانة ملابسها وخرجت من غرفتها, فوجدت أمها كعادتها على الماكنة: “إلى أين؟” فقالت رحاب: “سأعود بسرعة… كتاب مهم يجب أن أشتريه”, قالت الأم: “ألديك ثمنه؟”, نظرت رحاب إلى أمها ولأول مرة نظرةً بعين الشكر إلى ام بسيطةٍ تريد لابنتها أن تتعلم, بينما تزين ضرتها لابنتها حياة الترف مع رجل يكبرها بعشرين عاماً.. قالت وهي تبتسم بوجهها: “شكراً يا أمي عندي نقود”..

_ لا تتأخري يابنتي..

_ حسناً… سأعود بسرعة.. وداعاً..

لم تلبث حتى وصلت إلى أقرب كشك للجرائد, لكنها لم تجد الجريدة المعنية، وقفت قليلا.. وما لبثت إلا أن تحركت مصرّة على أن تجدها, وما إن وجدتها حتى جلست في أقرب مكان لتكمل قصة (س) والتي حملتها الأقدار لها رحمة أو تنبيها..

إلى هنا قراءنا الكرام تنتهي الحلقة الثالثة من قصتنا والتي نرجو أن تكون قد أعجبتكم ..تابعونا في الحلقة القادمة والأخيرة, لنعرف مع رحاب مصير الفتاة الغنية وهل سيغيّر في قرار رحاب بعد أن تسرّب الشك إلى قلبها وشعرت أنها تكاد أن تقع في فخها بصورة أفجع؟! أم أنها ستثور على العادات البائدة كما سمتها بالتلقين؟!!..

بقلم صديقة الموسوي_ أفغانستان

فتابعونا…

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …