الرئيسية / الرئيسية / أسرة / إكسير الحياة
29454_339

إكسير الحياة

في ظل هذه الظروف الطارئة والحياة المتقلبة والأفكار المستحدثة؛ عولمة.. تطور.. حرية وديمقراطية و.. و.. و… تبحث هي عن ضالتها، عمّا يهدّئ من روعها ويبعث الأمل في حياتها، إلى أين تتجه؟! سعادة سهلة المنال لكنها مزيفة وزائلة؟ أم سعادة يملأ طريقها الصمود والتحدّي لكنها أبدية الدوام تشع وتتسرب إلى كل من تتصل به؟.. خيار صعب!؟ فمن منا لا يحب الراحة والعجلة؟ وكما صرحت الآية الكريمة {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً}[1], ولكن الخيار مصيري فيجب التروّي عند اختيار المصير، فهي ليست كمثيلاتها من المخلوقات.. إنها مربية الأجيال، صانعة الرجال، إنها المرأة..

لكنها تتخبط اليوم في خطاها.. فالليل طويل.. لا تكاد تبصر نور السراط، تبحث عن برّ الأمان، كيف تقمع أنياب الذئاب؟ وتطفئ عيون الأطماع؟.. حاشا لله أن يتركها وحيدة بدون سلاح.. فقد أيّدها بما يجعل النصر حليفها دائما… رسم لها طريقاً معبداً تسير عليه.. وتتبع أصوله لكي تحظى بالنجاح في هذه الدنيا وما بعدها (الأخرة).. إنه النهج الذي اتبعته سيدة نساء العالمين ومن بعدها كثير من النساء الخالدات.. فكن سائرات على ما أمرهن به الله من الالتزام بتعاليم الدين والتفقه بأحكامه..

أجل.. المرأة الواعية هي التي تصنع رجالاً واعين.. فيخرج من حضنها العالِم والعارف والفقيه والمجاهد والطبيب وغيرهم.. وتصنع نساءً.. فمنهن العالمة والفقيهة والأم والمعلمة وغيرهن من صانعات المستقبل..

فمن هنا تبرز أهمية التفقه للمرأة.. إذ للحصول على مجتمع مثقف، فاهم، يلتزم تطبيق تعاليم إسلامه, يجب أن تكون المرأة النواة الأولى التي تتحلّى بجميع هذه الصفات.. وكما يذكر لنا التاريخ قصة تلك الوالدة التي لم تنفك عن الوضوء في فترة الحمل ولم تتغافل يوماً عن استمرار طهارتها، وفي السنين الأولى من حياة مولودها لم ترضعه لبناً إلا وهي على وضوء، فأنجبت لنا ذلك الشيخ الجليل.. ألا وهو الشيخ الأنصاري..

فالتفقه للمرأة يشمل التزامها بتعاليم الدين, كأداء الصلاة والصيام والحجاب والخمس والزكاة.. وكل ما يتوجب عليها أداءه, والتعرف على الأحكام التي تهمّ حياتها اليومية كأحكام الطهارة والنجاسة وباقي أحكامها الخاصة بها منذ بدء تكليفها، فهي تنتفع بهذا العلم لنفسها وأسرتها, وعلى صعيد المجتمع فهي تنشره بين قريناتها كما قال تعالى {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[2] فتقع عليها مسؤولية التفقه ونشر الدين الإسلامي بين بنات جنسها وممارسة دورها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى جانب الرجل، فإن جهل الإنسان بتعاليم دينه أمر مشين بغض النظر عن كونه رجل أو أنثى, وهنا نستذكر أبيات من الشعر منسوبة للأمام علي”ع”:

أبُنَيَّ إن من الرجالِ بهيمةً *** في صورةِ الرجلِ السميعِ المبصرِ فَطِنٌ بكل رزيةٍ في مالِه ***    وإذا أُصيبَ بدِينِه لم يَشعُرِ

فما فائدة أن يكون الإنسان فطناً بكل أمور الدنيا وغافلاً عن أهم ما خلق من أجله؟!.. وللأسف هذا ما نشاهده كثيراً اليوم في ظل عولمة المرأة وانتزاعها من أهدافها السامية, فتصبح خبيرة بأحدث الموضات وقصات الشعر وعمليات التجميل وغيرها من الأمور الدنيوية الواهية التي ليس لها أي منفعة سوى جعل المرأة المسلمة بعيدة عن دينها, وتدور في دوامةٍ خطّها لها أعداؤها لجعل عقلها محدوداً لا يتعدى التفكير في الشكل والأناقة، ولقد أكدّ المعصومون على أهمية التفقه, فوردت أحاديث كثيرة في هذا الصدد كما قال الإمام الصادق”ع”: “عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً، فإن من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملاً”..

وللأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع, يجب جعل تفقه المرأة ثقافة عامة تدرس في المدارس أو المراكز الخاصة, فيشمل جميع الفتيات من نعومة أظفارهن, فتتحلى بها الصغيرة قبل الكبيرة على حسب استطاعتها وهكذا, فالتفقه في دين لله تعالى بجانب علم العقيدة له أهمية كبرى, فهو يسدد الإنسان في عبادته وأعماله وحياته وجميع أحواله، والفقه لا ينحصر في طائفة من الناس؛ فالإنسان مهما كان تخصصه؛ فهو بحاجة إلى التفقه في الدين ذكراً كان أو أنثى؛ لكي يعبد الله على بصيرة ووفق منهجه تعالى، ولكنه للمرأة أهم بمراتبٍ منه للرجل, لكونها هي أساس الأسرة والمجتمع وهي التي تنشئ الرجل وتجعله فقيهاً بدورها, إذا كانت ملتزمة بهذا الجانب، فالتفقه للفتاة بمثابة إكسير الحياة الذي يمنحها الخلود في الحياتين ( الدنيا والأخرة).

بقلم دعاء الحلي _ العراق

[1] سورة المعارج . الآية 19.

[2] سورة التوبة, الآية 122.

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …