الرئيسية / الرئيسية / أسرة / هذه قصتي فاحذري..
road

هذه قصتي فاحذري..

(الحلقةالثانية)

 

تعرّفنا في الحلقة الأولى على (رحاب) الفتاة الفقيرة التي كانت لابن عمها (معين) منذ الصغر والتي باتت تواجهه ببرود كرسالة له بأنها لم تعد تفكّر بما قرّره لهما الكبار منذ الصغر فبدء يراقبها واكتشف بأنها على علاقة بشاب غني اسمه (طارق) وهدّدها بفضح أمرها أمام أبيها ونصحها أن تبتعد عن أحلام اليقضة وأن لا تتوقع أن يطلبها طارق زوجة له..

دخلت إلى دورة مياه السوق المركزي، مسحت المكياج وغيرت ملابسها ووضعت الكيس البراق الخاص بالفستان في كيس أسود، لكي لاتلتفت أمها وتسألها عنه.. وصلت إلى البيت.. فتحت الباب بالمفتاح شاهدت أمها نائمة على الأريكة فأغلقت الباب بهدوء وتوجهت نحو غرفتها التي كانت الشيء المستقل الوحيد في بيتهم, فغرفة الجلوس هي المطبخ وهي غرفة نوم أمها وأخواتها الصغار.. أخفت الثوب بين ملابس البيت، ثم أخرجت الصحيفة ووضعتها على طاولة خشبية ذات حافة مكسرة.. أخرجت صورة لطارق وقالت: “ربما كنت تنوي..” , عندها تناهى إلى سمعها صوت خطوات أمها المتثاقلة أخفت الصورة بسرعة وتظاهرت بترتيب كتبها فتحت.. الأم الباب وقالت: هل عدت يارحاب؟

– كم مرة قلت لك يأمي أطرقي الباب قبل أن تفتحيها؟

– نسيت يابنتي، هل أعد لك الغداء لقد نفذ…

– لاأريد شيئا لقد تناولت سندويجا..

بعد ذلك اقتربت الأم ونظرت لوجه ابنتها نظرة فاحصة… وإذا بها ترى آثار المكياج.. فابتسمت قائلة: “مازال الوقت مبكراً على وضع هذه الألوان… غداً عندما تصبحين طالبة جامعية ضعي ما تشائين… وستكونين أجمل فتيات الجامعة”..

تناهى لهما صوت أجش: “عفيفة أين أنت؟”.. إنفرجت أسارير الأم وقالت: “إنه أبوك”!! قالت ذلك وهمت بمغادرة الغرفة فقالت لها رحاب: “اسمعي إذا سألك عني فقولي إنني نائمة.. أو أو.. قولي إنني.. غير موجودة”!

– لماذا يارحاب إنه أبوك؟!

– أبي؟!… وماذا أعطاني غير اسمه على بطاقتي الشخصية؟..

– حسنا ً حسناً…كفى.

خرجت الأم إلى الصالة وهي تقول: “يا ألف مرحباً بك يابن عمي تجفونا لخلو الدار من صبي يحمل اسمك”؟

– أين أنت ياامرأة؟! منذ ساعة وأنا أناديك..

كانت رحاب تنظر من ثقب الباب إلى أمها وهي تتناول الأكياس وأخواتها اللواتي يحاولن فتحها بسرور، ما لبثن أن أحدثن شقا فيها وأخرجن ما بداخلها من ملابس ثم أكياس الخضار ليتأكدن من وجود الفاكهة.. تمنت لو أنها استطاعت أن تاخذ ما بقي من غدائها الذي تناولته مع طارق لأخواتها.. شعرت أن ما بداخلها يحترق على أخواتها الأربع همست بداخلها: “يوماً ما يا أخواتي ستكوننّ في غنى عن هذا الأب الذي رمانا لقمة سائغة لعوادي الزمان… حينما أصبح زوجة لطارق ينتهي العذاب…آه.. كم أنا بشوق لتلك اللحظة التي تراني فيها زوجتك مع طارق في سيارته وعندها نرى من الأسعد أنا أم أبنتك ..هه.. التي ستتزوج برجل يكبرها عشرون عاماً ضحكت واضعةً يدها على فمها وقالت: “كم هو جميل هذا المنظر…أنا وطارق بسيارته التي يغيرها كل عام, وصابرين وزوجها بشاحنته وهي محملة بالبصل”!!.

تطلعت وجهها بالمرآة.. مازالت آثار المكياج واضحة.. سمعت أباها يقول: “لاتقولن لإحد أنني من اشترى لكن هذه الأحذية”!

فردت الأم: “اطمئن.. بناتك ذكيات ومطيعات!!” عندها عظت رحاب شفاهها غضباً وقالت: “ماهذا الهوان… ليتك تطردينه ياأمي”!.. سمعته يقول:”أين رحاب؟” فاتجهت لخزانة الملابس لتخفي نفسها لكنها اطمئنت حين سمعت أمها تقول: “إنها غير موجوده لديها محاضرة” فردّ الأب: “وما فائدة الشهادة ياترى كي تنفق عليها المال؟!..” وأردف قائلا: “غدا تتزوج وتنسى حتى جدول الضرب!”.. عندها قالت الأم: “دعها تتعلم يارجل، كما إنها اتفقت مع معين على تأجيل الزواج إلى مابعد الجامعة..”.

شعرت رحاب بالتعب.. تذكرت الصحيفة.. فتحتها بعد تردد وقد سرت في يديها رعشة خفيفة تمنت لو أنها لم تشتريها أو أنها طلبت من صاحب الكشك الصحيفة التي على يساره.. بدأت تقرأ من تنويه الصحيفة بقولها: “وردتنا هذه القصة بالبريد الألكتروني مع رسالة ترجو فيها صاحبتها عدم صرف النظر عن نشر القصة وتؤكد أنها حقيقية وأنها صاحبتها وارتئت أن تنشرها في صحيفة لكي تصل إلى أكبر عدد من القراء وهذه القصة بين أيدي قرائنا الكرام ننشرها كما وصلتنا بعد التصحيح اللغوي فقط”.. “هذه قصتي أضعها بين يديك يا فتاة عصر الضياع والانجراف في تيار المادة والمظاهر وتقليد الآخرين وهجر التعاليم الإسلامية السامية, أكتب لك من وطأة ألم الندم وضياع الجرأة اللامعقولة وسقوط هوس الثورة على (الأعراف والتقاليد البائدة)!! وشحنات تشجيع إعلامنا المرتمي في حضن الآخر والغارق خدراً بأفكاره والقائل نعم لكل طروحاته كسرور فتاة بين مطرقة احتقار الأهل, وكأن تاء التأنيث عاراً لايمكن أن يغسل إلا بالارتباط برجل ليس مهماً كيف هو خلقه ودينه بل جيبه ورصيده وسندان الصورة النمطية للعزباء في إعلامنا المغترب دون رجعة وهي توافق على عقد قرانها؛ إعلامنا الذي ألبس اللامشروع بثوب المشروع ليكون مقبولا كما لو لبس ذئب فروة حمل آمنا بين الخراف يختار منها ما يشاء دون أن تشعر هي بالخطر إلا حينما تكون نهباً لأنيابه القاطعة, أخط سطور قصة صاحبتها هي أنا!! لكي لا تقعي كما أوقعتني بلاهتي وهوسي… أعود بك قبل عشر سنين حينها كنت طالبة جامعية جريئة، مغرورة، طائشة.. ولدت في بيئة مترفة يعيش كل منا عالمه الخاص أبي كان دائم السفر وأمي تمتلك معمل؛ فلسفتي في الحياة هي أن يعيش الإنسان أكثر أناقة من الآخرين.. مصرفي اليومي الذي كنت أصرفه على نفسي و(الشلة) كان يكفي قوت يومي لعائلة من الدخل المتوسط كانت فعاليات شلتنا كلها سلبية (التسكع، ضرب المحاضرات، السخرية والاستهزاء بالطلبة الجادين بالدراسة والتوعد به إن هم أطالوا في مدخلة أو استفسار بمقلب سخيف أو محرج) وذات مرة وبينما كنت ذاهبة إلى الجامعة وبينما كانت سيارتي في طابور السيارات التي اكتضت بها شوراع العاصمة وقفت سيارة بمحاذاة سيارتي كان يقودها شاب وسيم بقيت استرق النظر إليه لم أشعر إلا ومنبهات السيارات التي خلفي وهي تزمر كمظاهرة عليّ.. يبدو أنهم تصوروا أنني كنت شاردة ولم التفت إلى الضوء الأخضر.. سار هو بسيارته وسرت ورائه كان سير بحذر لم آلفه لدى شباب اليوم الذين يقودون سيارتهم كنجوم هوليود.. خفف السرعة مؤذنا بالوقوف فأوقفت سيارتي ورائه بعد سرعة فصدر صوت ينمّ عن إيقاف الكابح إيقافا جنونياً نزل من سيارته غاضباً وكأن شرراً يتطاير منهما.. تنفس الصعداء وهو يتفقد مؤخرة السيارة كانت سيارته أنيقة أثار تصرفه هذا التعجب في نفسي.. فبرغم أن سيارتي أحدث منها ولكنني جازفت بها لكي أجد مناسبة أو موقف يكون سبباً للحديث معه.. وما أن وقعت عيناه عليّ حتى بادرته بالقول: أنا آسفة..

– على العموم عليك أن تكوني أكثر حذرا ًيا آنسة..

– حقاً آسفة على شرودي هذا ياسيد…

– يا آنسة…

وتصنعت الدوار فبادرني قائلا بحذر: “هل تحتاجين إلى المساعدة؟”

_ “لا شكراً..” نظرت إلى الكافتريا وتابعت القول: “كنت أنوي شرب عصير هنا وكنت ذاهبة إلى الجامعة, فهل تتفضل بشرب عصير بارد”..

قبل الدعوة.. فطار قلبي فرحاً.. إذ كانت بغيتي من حركة (الأكشن) هي التحدث معه والتي بدى فيها تأثري بالأفلام الهوليودية واضحاً…كان إنجازي هذا عظيما بنظري لأني لم أتعرف عليه في الجامعة وبشكل روتيني فأنا بطبعي أحب الانطلاق في مساحات شاسعة، كان تصرفي هذا جزء من تصرفات فتاة تعيش بعبثية.. عبثية الأهداف وعبثية العلاقات، صديقاتي اللواتي كنت إذا مللت من إحداهن اختلقت عذرا للتخلص منها كما أختلق مناسبات حفلاتي.. أعود بك إلى جلستي الأولى وأعتذر من فلتان القلم فلا مجال للإسهاب لكي لاإطيل عليك.. عرفني بنفسه وحدثني عن عائلته العريقة وثروة أبيه قال إن والده صاحب معرض سيارات وعمارة ذات أربعة طوابق لكن مايميزها أنها في قلب العاصمة لم يكن حديثه عن نسبه وثروته يهمني كنت أتمنى أن يحدثني عن نفسه عن كل شاردة وواردة في حياته حتى لونه المفضل وطربته المفضلة…

كان هادءا أما انا فكنت أبادر بكسر الصمت بسؤال أو التحدث عن أي موضوع كان.. وانتهى ذلك الوقت الجميل مثل لمح البصر وعدت إلى البيت فرحة أسرعت إلى غرفتي رميت المفاتيح وألقيت بنفسي على فراشي بعد أن فتحت التلفاز لم أكن بحاجه إلى الباحث إذ إني أعرف أرقام قناة الأغاني العربية وبقيت مع شريط الذاكرة أستعيد كل لحضة من لحضات ذلك اللقاء.. ترتسم ابتسامات على محياي.. أنضر إلى صورتي المنعكسة في المرآة أطمئن من أن مظهري كان أنيقاً.. أتمنى لو أني ارتديت شيئا أجمل.. ودق جرس هاتفي المحمول وطار قلبي فرحاً وأنا أرى رقم هاتفه على شاشة هاتفي فقللت صوت الأغنية التي كانت كلماتها تدل عن إفلاس في الفن والذوق أظنها لم تكلف مؤلفها أكثر من عشر دقائق ربما كان يكتبها وهو ينتظر نضوج طعامه وموسيقاها أشبه بارتطام علبة صفيح على الأسفلت قال معتذرا: “آسف على الإزعاج” فقلت: “على العكس كنت أنتظر مكالمتك!!”..

فماذا حدث بعد المكالمة الأولى وهل ستستمر علاقة (س) بـ(ن)؟ هذا ماسنعرفه في الحلقة القادمة فتابعونا أحبتنا الكرام…

 

بقلم صديقة الموسوي _ أفغانستان

شاهد أيضاً

5228-460x330

البوارق العرفانية 6

البارقة السادسة هل نستطيع أن نميت أنفسنا؟ نعم وألف نعم, ولأهل المعرفة تقسيمات لطيفة في …