الرئيسية / الرئيسية / ورقة من مذكرات سجين عراقي
ph710tku2n8r8o3twbz5

ورقة من مذكرات سجين عراقي

  (الحلقة الأولى)  

        بعد مرور بضع سنين من رحيل والدي.. وجدتُ بين أغراضه مذكراته التي دونها بعد إطلاق سراحه في سنة 1992م والتي أسماها “دروس من حياتي” وبيّن بأنها: “سرد موجز لمعاناة استمرت أربعة عشر عاماً في سجون النظام الصدّامي.. وقد حازت على الجائزة الأولى لمسابقة أجرتها جمعية الإمام الكاظم”ع” للسجناء الإسلاميين في العراق”.. فأحببت أن أجعلها بين يدي القرّاء.. علّها تصف شيئاً يسيراً من معاناة الشعب العراقي.. وها أنا أترككم مع ورقة من مذكرات الشيخ حسن السالم:

وراء كل عظيم امرأة

الزمان: تشرين الأول, 1975م

المكان: معتقل الفضيلية, بغداد

بعد فراق عن الأهل دام حوالي الأربعة أشهر.. سُمح لأهلنا بمواجهتنا.. ولمعتقل الفضيلية باب واسع, يطلّ على ساحة يجتمع فيها المعتقلون ليستقبلوا أهلهم وذويهم.. فمتى ما دخلت عائلة وعرفها صاحبها تقدم نحوهم ليستقبلهم.. وكان من جرّاء ذلك أن نشاهد الدروس والعبر.

   تقدم (س) من الأخوان نحو أهله, وفي اللحظات الأولى لاستقبالهم سمعت امرأة _ ولعلها زوجته_ وهي تؤنبه بلهجة حادة على ما مرّ عليهم من مشاق الحياة وصعوبتها جرّاء سلوكه!! وكانت وقتها تتخذ أسلوبا يستدرّ العواطف,كانت على أقل ماتحصل فيه بأن المرء يشعر بأن عليه تبعات يجب أن يتحملها, هذا إذا كان قوي الإيمان, وإلا فالنتيجة لا تحتاج إلى إيضاح!!.

   وبعدها بزمنٍ ليس بالبعيد, دخلت امرأة عجوز, انحنت على عصا, وقد بدت قصيرة القامة.. حيث أخذ الهرم منها مأخذة.. وهي لاتكاد ترفع قدماً وتضع أخرى إلا وهي تسبح الله وتقدّسه, وتكثر من الصلاة على خير خلقه.. تقدم نحوها ابنها الوحيد.. نعم تقدم ذلك الشاب الذي شاء المولى أن يجمع له أنبل الصفات وأسماها, وتلك حكمته تعالى يفعل بخلقه ما يشاء!!, نعم تقدم نحوها وكان طويل القامة وفي ريعان شبابه, ولم يعبأ أمام ذلك الملأ المحتشد من الناس عدوهم من جلاوزة النظام وصديقهم من إخوته في الإيمان.. وبلا تكلف انكب على أقدامها يقبلهما.. وكنا نحسب كالعهد المألوف أنه إذا شاب المرء شابت معه خصلتان, الحرص وطول الأمل.. وإذا كانت تلك الزوجة الشابة وأمثالها ممن أنّبن حُماتهن, فمن باب أولى أن تكون تلكم العجوز الكبيرة كذلك!!.. ولكن ماشاهدناه وسمعناه لايصدق!, سمعنا تلكم المرأة المجاهدة وهي تقول لابنها الوحيد, ولعلها كانت كفيفة البصر: هذا محمد؟ أجابها: نعم ياأماه, قالت: بني, إياك أن تلين لهؤلاء الملاعين.. أريدك أن لا تلين لهؤلاء الطغاة.. لاتساوم على دينك.. ولدي أنت نور عيني وفلذة كبدي إذا صمدت أمام هؤلاء الملاعين.. أريدك أن تبيض وجهي عند الزهراء”س”!!

    حقا, إنه أمر عجيب _آنذاك_ لم تكن تلك الكلمات من تلكم المرأة العجوز مجرد كلمات, لا, بل كانت _ وأيم الله_ براكين ثورة تفجرت ليس في أحشاء محمد وحده, بل في أحشاءنا جميعا !!

    ولم نكن لنلقي اللوم على تلك الأخوات والأمهات اللاتي عاتبن حماتهن بقدر ما ألقينا اللوم على إخواننا أنفسهم , فلو كانوا أعدوا عوائلهم بالمستوى الذي سهروا به على إعداد أنفسهم, لما كان الأمر كذلك..

    وعندها تذكرت تلك المقولة العظيمة (وراء كل عظيم امرأة), فهنيئا لك يا أبا جاسم ستكون عظيما. وفعلا, راحت الأيام, حتى جاءت الأنباء لتحمل خبر استشهاده.. وهكذا قُلّدت أمه المجاهدة العجوز وساماً عند الزهراء”س” من أرفع الأوسمة, وهل هناك أسمى من وسام أم الشهيد؟

أقول, فليتعاهد المؤمن المجاهد أهله كما يتعاهد نفسه.. ففي ذلكم سعادة الدنيا قبل سعادة الآخرة!!.

يتبع….

تقریر زهراء السالم – العراق

شاهد أيضاً

21445185332_f463abf699

درس من حياة فاطمة”س”

  قد نكون واجهنا صعوبات وخسارات مادية هائلة لإتمام عمل معين, أو حتى في جريان …